الموسم الدراسي 2011-2012...نصف حصيلة

الصورة من موقع تربية بريس
بدأته العابدة بمقرر للتدبير الزمني وواصله الوفا بإلغاء بيداغوجيا الإدماج وأنهاه بحرب شعواء على الغش

دشنت لطيفة العابدة، كاتبة الدولة السابقة المكلفة بالتعليم المدرسي، الموسم الدراسي الذي انطلق يوم 15 شتنبر الماضي، بإصدار مقرر تنظيمي في فاتح يوليوز الماضي قصد تحديد أهم الجداول والعمليات والأنشطة المقررة برسم الموسم الدراسي 2012-2011 مرفقة بمواعد إنجازها، وهو المقرر الذي أملته الالتزامات الزمنية المتعلقة بدخول البرنامج الاستعجالي سنته الثالثة والأخيرة، كما أملتها تحديات تأمين

الزمن المدرسي وزمن التعلم، من حيث تحديد تواريخ العطل وفتراتها، ومواعد تنظيم الامتحانات الإشهادية والمهنية.

الموسم انطلق، أيضا، في أجواء يسودها الحذر والترقب من تداعيات الحراك الاجتماعي غير المسبوق الذي تأجج نهاية موسم 2010-2011، مؤثرا على وتيرة التمدرس ومساهما في هدر الزمن المدرسي، سيما أن بعض الملفات الاجتماعية لنساء ورجال التعليم كانت ما تزال عالقة ما ولد من جديد الخوف لدى الآباء وأولياء التلاميذ والمتتبعين خوفا من العودة إلى الإضرابات والاحتجاجات التي تعرقل مسيرة تطور المدرسة العمومية.
في هذا التاريخ، كان المغاربة يدلون بآرائهم في استفتاء عام حول أول دستور في عهد الملك محمد السادس، أعقبته الدعوة إلى انتخابات تشريعية قبل الأوان، وضعت الفريق الوزاري السابق خارج مقر وزارة التربية الوطنية، ومهدت لتشكيل حكومة جديدة منبثقة من صناديق الاقتراع ترأسها عبد الإله بنكيران، الأمين العام للعدالة والتنمية، واقتضت التوافق بين أحزاب الأغلبية أن يتقلد حزب الاستقلال حقيبة وزارة التربية الوطنية، فيما آلت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر إلى الحزب الإسلامي.
وكما كان متوقعا، قبل محمد الوفا، العائد من رحلة ديبلوماسية طويلة، تقلد مهام وزارة تشبه كرة نار، تبرم منها الحزب الأغلبي بذكاء، قبل أن يقذفها في يده، فأصابه بعض لهيبها حتى قبل أن يصل إلى مكتبه الجديد بباب الرواح، حين اعترضت سبيله مجموعة الأطر العليا المعطلة المقصية من محضر 20 يوليوز، وهي تهدد باقتحام الوزارة واحتلال سطحها، قبل أن تتطور الأمور إلى محاولة انتحار، حين امتدت ألسنة النار إلى جسد عاطل كان يهم بإنقاذ زميله اليائس.

خارطة طريق
كانت أمام محمد الوفا مهام محددة لرد الاعتبار إلى المدرسة العمومية وتفعيل شعار مدرسة النجاح الذي رفعته الحكومات السابقة، وأساسا:
- إحياء المقاربة التشاركية في معالجة القضايا والملفات المرتبطة بوضعية نساء ورجال التعليم، والارتقاء بمستوى الحوار بين مكونات الوزارة والفرقاء الاجتماعيين إلى مستوى ترسيخ ثقافة المسؤولية المشتركة، حتى لا يظل القطاع مختبرا للوقفات الاحتجاجية والإضرابات المزمنة التي يقابلها المسؤولون «كم حاجة قضيناها بتجاهلها".
- الحرص على تفعيل روح «الميثاق الوطني للتربية والتكوين»، والعمل على إقناع الجميع، اليوم، أن إصلاح نظام التربية والتكوين مسؤولية القوى الحية للبلاد حكومة وبرلمانا وجماعات محلية، وأحزابا سياسية ومنظمات نقابية ومهنية، وجمعيات وإدارات ترابية، وعلماء ومثقفين وفنانين، والشركاء المعنيين بقطاع التربية والتكوين.
- رفع تحدي تعميم التعليم وتحسين جودته وإعطاء الإحساس لجميع المغاربة أن التعليم حق أساسي لا مفاضلة فيه بين الأغنياء والفقراء، وبين سكان الجبال والقرى والمداشر والمدن، وبين الأشخاص الأسوياء وذوي الاحتياجات الخاصة.
- القضاء على مظاهر الفوضى والتسيب وتخليق الحياة المدرسية وتربية الأطر على خصلة «المواظبة».
- تقوية دور الأكاديميات الجهوية في ترشيد تسيير المؤسسات التعليمية واعتماد مناهج التدبير الحديثة والدفاع عن مزيد من لامركزية التدبير في الموارد البشرية والمادية والحرص على الشفافية ومحاربة الزبونية المتفشية في قطاع يحمل اسم «تربية».

قرارات "تاريخية"
بعد أيام قليلة من حفل تنصيب الحكومة الجديدة، وحتى قبل المصادقة عليها في مجلسي النواب، أخرج محمد الوفا قلمه وشطب على العقد المبرم مع الخبير الدولي البلجيكي كزافيي روجرز، رئيس المكتب الدولي لهندسة التربية والتكوين، الذي عمل مستشارا علميا للوزارة خلال تنزيل مشروع بيداغوجيا الإدماج.
في هذا الوقت، توصل مديرو الإدارات المركزية الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ونواب الوزارة بمذكرة موقعة من طرف الوزير يقرر فيها الاحتفاظ ببيداغوجيا الإدماج في التعليم الابتدائي على أساس منح الصلاحية لمديري المؤسسات التعليمية والأساتذة من أجل اعتماد هذه المنهجية، مع إلغاء التقويم الوارد في المذكرة رقم 204 الصادرة بتاريخ 29 دجنبر 2010، لتيسير عملية التقويم، ثم إرجاء العمل بهذه البيداغوجيا بالسلك الثانوي الإعدادي إلى حين وضع تقييم لنتائج تطبيقه بالتعليم الابتدائي، كما قرر الوزير توقيف جميع عمليات التكوين المرتبطة بها.
وحسب المعطيات التي تسربت آنذاك، جاء قرار إرجاء العمل بمشروع بيداغوجيا الإدماج، المعمول بها منذ موسم 2008/2009، يوما قبل الاجتماع الموسع الذي عقده المسؤول الحكومي، مرفقا بعدد من مسؤولي الوزارة والمديرين المركزيين، مع ممثلي النقابات القطاعية الأكثر تمثيلية، وكان من نتائجه الإعلان عن عدد من القرارات وصفت بالتاريخية لتخفيف حدة التوتر والاحتقان بالقطاع، منها إلغاء العمل بالمذكرة 204 المنظمة لعملية التقويم في إطار بيداغوجيا الإدماج، وتوقيف العمل بالمذكرة 122 المتعلقة بتدبير الزمن المدرسي، وتعويضها بمذكرة جديدة تطرح على النقابات في اجتماع لاحق.
في 13 مارس الماضي، أصدرت وزارة التربية الوطنية مذكرة جديدة، في إطار تدبير المرحلة المتبقية من السنة الدراسية 2011-2012، نصت على أن تكون عملية التقويم والامتحانات بالسلك الابتدائي وفق صيغتين، تهم الأولى الأقسام من السنة الأولى الابتدائية إلى السنة الخامسة، ويتم التقويم في هذه المستويات، حسب المذكرة ذاتها، بناء على المراقبة المستمرة، وذلك بإجراء اختبارين في كل دورة بالنسبة إلى كل مكون من مكونات مختلف الوحدات الدراسية.
أما الصيغة الثانية التي جاءت بها المذكرة نفسها، فتتعلق بالسنة السادسة من التعليم الابتدائي وفق ثلاثة مكونات، ويتعلق الأمر بالمراقبة المستمرة والامتحان الموحد على مستوى المؤسسة والامتحان الموحد الإقليمي، أما بخصوص اتخاذ قرار النجاح في الامتحان فيتم باعتماد الأوزان والمعاملات الواردة في القرار المنظم لامتحانات نيل شهادة الدروس الابتدائية.
بعد انتهائه، تقريبا، من الجدل الذي فتحه إلغاء مذكرات وتعويضها بأخرى أمام «لخبطة» رجال التعليم وأطره الإدارية، توجه محمد الوفا إلى الدفاع عن برنامجه الوزاري بمجلسي البرلمان، في إطار مناقشة الميزانية الفرعية لوزارة التربية الوطنية، في ظل التراجع الذي شهدته الاعتمادات المخصصة لقطاع التربية والتكوين في مشروع قانون المالية لسنة 2012، مقارنة مع السنة الماضية (2011)، إذ انخفضت من 48.070.324.000 درهم، إلى 42.245.217.000 درهم برسم السنة الجارية.
وعاب عدد من المهتمين على الحكومة الحالية قبولها بهذا المنحى التراجعي الذي سيؤثر على مشاريع الوعود التي أطلقتها أمام ممثلي الأمة، وقبلهم الناخبين، ومن ذلك توسيع العرض التربوي، عبر تجهيز 277 مؤسسة بالنسبة إلى الدخول المدرسي المقبل، وإطلاق أشغال البناء بـ 460 مؤسسة جديدة، وإطلاق طلب العروض لبناء 109 مؤسسات، وتوسيع الطاقة الاستيعابية لمؤسسات تعليمية قائمة بإحداث 1800 حجرة، إضافة إلى برنامج تأهيل المؤسسات من خلال ربطها بشبكة الماء والكهرباء وبالتجهيزات الديداكتيكية.

حمى احتجاجات
لاحظ المهتمون أنه إذا كان مشروع قانون المالية برسم 2012 خصص ما مجموعه 7000 منصب، فإن المعطيات المتوفرة تكشف تخصيص المناصب المحدثة أساسا لاستيعاب 4300 من حاملي  الشهادات العليا، و2695 من منشطي التربية غير النظامية، علما أن عدد المحالين على التقاعد بهذه الوزارة يصل، في المعدل، إلى 4000 موظف سنويا.
ومباشرة بعد انتهائه من امتحان الميزانية التي مرت بسلام فوق جسر أغلبية برلمانية يضمنها نواب ومستشارو الأحزاب الحاكمة، تفرغ محمد الوفا إلى تشطيب بهو الوزارة من عدد من الممارسات والسلوكات التي اعتبرها ضارة به وبها، ومطلقا سلسلة من التصريحات والحوار الصحافية التي كان فيها في موقع المدافع عن نفسه وبرنامجه الوزاري أمام الضربات المتتالية لبعض النقابات القطاعية، وتصاعد حمى الاحتجاجات والوقفات شبه اليومية أمام وزارته.
انتهى الموسم الدراسي تقريبا بالشروع في إعلان نتائج امتحانات الباكوريا، أول أمس (الثلاثاء)، دون أن تنتهي أسئلة مدرسة مغربية مازالت تتعثر في الطريق..في انتظار موسم جديد.

الباكلوريا طوق نجاة
فجأة، فطن محمد الوفا أن امتحانات الباكلوريا يمكن أن تكون طوق نجاة بالنسبة إليه إلى حين انتهاء نصف الموسم الدراسي الذي بدأ في فبراير الماضي، وسينهيه في يوليوز المقبل، لذلك حشد كل امكانيات الوزارة وأشعل النار في تلابيب أطرها ومديريها المركزيين والجهويين لإنجاح رهان سياسي كان الوزير يغلفه بشعار «إرجاع الاعتبار إلى شهادة الباكلوريا».
وفي هذا الإطار، اقترح الوزير تحصين وثيقة شهادة الباكلوريا بواسطة طابع للتأمين، وإلزام المتدخلين في العمليات الامتحانية بحمل شارة خاصة، كما أطلق حملة وطنية لمحاربة الغش في الامتحانات، بإصدار مرسوم وزاري يمنع منعا كليا إدخال أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة واللوحات الإلكترونية إلى مراكز الاختبارات.
ورغم المجهود الذي يحسب للوزير الجديد، الذي أعاد التذكير بقضية أساسية كاد المغاربة يتعايشون معها اسمها الغش، فإن مشروع إصلاح الباكلوريا لم يكن بالموضوع الطارئ، إذ كان يسير، منطقيا، في سياق استقرار الهندسة البيداغوجية لسلك الباكلوريا التي شرع العمل بها منذ الموسم الدراسي 2007/2008، والتمرس بالبرامج الدراسية الجديدة المرتبطة بها، وتأطير إجراء الامتحان الجهوي الموحد للسنة الأولى من سلك الباكلوريا، وظهور مؤشرات مرقمة بتحسن أداء المترشحين في هذا المكون خلال السنة الماضية.
وقد أفضى هذا التقييم إلى التفكير في الشروع، ابتداء من الموسم الحالي، في اعتماد التكنولوجيا الرقمية في التدبير المؤمن للعمليات الامتحانية، مع الشروع في إنجاز دراسة تشخيصية لنظام الامتحانات الحالي بغاية بلورة نظام شمولي جديد للامتحانات المدرسية في أفق موسم 2012/2013.

الصباح التربويالمصدر : موقع تربية بريس
رابط التحميل
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-