اللغة العربية لغة استراتيجية وطنية

الصورة من موقع تربية بريس
تربية بريس
د.فؤاد بوعلي
المصدر : موقع تربية بريس

إن الشعب يفتقر ويُستعبَد... عندما يُسلَب اللسان الذي ترَكَه له الأجداد.... وعندئذٍ يضيع للأبد. (أجنازيا بوتينا)
المصدر : موقع تربية بريس
ردُ الدكتور رفيق عبد السلام، وزير الخارجية التونسي، وزملاؤه وزراء الخارجية اتحاد المغرب العربي على مقترح السيد العثماني بحذف كلمة العربي من مسمى الاتحاد يحتاج لتحليل دقيق ومعالجة متأنية تبين عن حضور العربية العميق ليس في التواصل البيني فقط، أو باعتبارها مجرد آلية للتواصل بين المتكلمين بها، كما يتصور العديد من دعاة الخصوصية والأقلمة، بل باعتبارها جامعة بين أمرين: العمق الاستراتيجي والمشترك المجتمعي.
المصدر : موقع تربية بريس
عندما عين الدكتور رفيق عبد السلام، مدير مركز الجزيرة للدراسات، على رأس الديبلوماسية التونسية ثارت ثائرة الفرنكفونيين وأسيادهم، ليس لارتباطه بالسياسة القطرية كما زعم بعضهم، أو لعدم إلمامه بالفرنسية، كما تبجح بذلك أحدهم، بل لقناعتهم بالعمق الفكري للرجل الذي ناضل ضد القراءة الفرنسية للعلمانية ومرادفاتها النظرية، وإيمانه العميق بالهوية العربية الإسلامية للشعب التونسي. لذا لن يكون رفضه للرؤية الاختزالية لنظيره المغربي إلا فهما واقعيا للانتماء المشترك لشعوب المنطقة وهويتها الجامعة. فالتعبير عربي كما يقول الرجل 'لا يحيل إلى تصنيف عرقي بذاته، بل إلى انتماء حضاري وثقافي عام يتسع لمكونات وعناصر متنوعة، وتحديد جغرافي لدول المنطقة التي تمثل الجناح الغربي للعالم العربي إلى جانب جناحه الشرقي".
المصدر : موقع تربية بريس
ولفهم سياق النقاش ينبغي أن نستوعب حقيقة أن الحملة على فكرة المغرب العربي ليست المرة الأولى التي تثار من قبل بعض المنتسبين للأمازيغية وجنود الفرنكفونية. فطالما طالب المستعمر سابقا بحذف العبارة من مسمى الانتماء. فكان الرد عليه من قبل لجنة تحرير المغرب العربي للخطابي ومعه كل الوطنيين المغاربة. وقد أتى اليوم الذي وجدنا من يفتخر بنسبه للخطابي يعتبر "عبارة المغرب العربي كذبة اختلقتها الحركة الوطنية”. وأن يرى فيها آخرون عنصرية قومية ضد الأمازيغ. لكن لننظر للمسألة من زاوية أخرى بعيدا عن حملات التضليل والتآمر ونتساءل عن علاقة المغرب بالعربية والترابط بينهما بشكل يحقق للدولة عن طريق اللسان عمقا استراتيجيا وأحد مبادئ المصلحة الوطنية، مادمنا نتحدث عن نقاش بين وزراء للخارجية. وفي هذا الإطار يمكن التمييز مجاليا بين ثلاثة أبعاد استراتيجية للعربية :
البعد العربي: فمن المعلوم أن وجود المغرب دولة مؤسسة للجامعة العربية وارتباطها التاريخي والحضاري بالأمة العربية الإسلامية يتيح له عمقا انتمائيا عبر اللغة الجامعة والمشتركة. ولا يمكن للدولة أن تستغني عن جوارها العربي أو علاقاتها التي تتيح لها وجودا ديبلوماسيا متميزا بدا قويا في الآونة الأخيرة مع أحداث الربيع العربي. وبالرغم من أن العديد من أصوات السلطة قد راهنت على قطع حبل الوصال مع هذا الفضاء ورفعت شعار"تازة قبل غزة" فإن الأحداث قد أعادت المغرب إلى الواجهة خاصة بعد الإصلاحات السياسية وتسيد القطب الهوياتي للمشهد التدبيري. وبالطبع فعمق الانتماء واللغة في صدارته هو الذي أتاح للمغرب هذا الأمر. فكيف يمكنك أن تكون عضوا وذا رأي في فضاء دول أهم ما يجمعها لغة الضاد وأنت رافض لها.

المصدر : موقع تربية بريس
البعد المغاربي: عندما تأسس اتحاد المغرب العربي وضع لنفسه مجموعة من الأهداف من بينها تعميق التعاون الاقتصادي والتجاري وتنمية المبادلات بين الدول المغاربية وتنمية التعليم والحفاظ على القيم الروحية وصيانة الهوية. وحضور الانتماء العربي ليس بمنطق الإقصاء كما يحلو لبعض المتشددين الصدح، لأنه من المعلوم أن الفكرة في جوهرها جغرافية، في مقابل المشرق العربي، وليست قومية، وبنيت عليها تراكمات حضارية وهوياتية. ويكفي أن نعرف أن البناء المغاربي جوهر السياسة الخارجية المغربية منذ الاستقلال، ولذلك راهنت عليه الحكومة الحالية. فبالنسبة للملك الراحل محمد الخامس، فإن الشمال الإفريقي يكون وحدة في الجغرافيا والجنس والدين واللغة والتقاليد ولذلك فمصيره كما كان ماضيه واحد. وفي تعبير دال للحسن الثاني فالوحدة بين هذه الدول "وحدة متراصة تنبع من القلوب وتحتمها ضرورة العصر". وأهم مقومات هذه الوحدة الانتماء العربي الذي رسم معالم الشخصية المغاربية. 
المصدر : موقع تربية بريس
البعد الإفريقي: يتجلى في العلاقة التاريخية بين المغرب وإفريقيا والتي أبرزت جل الدراسات ملامحها في دور المغاربة في نشر الإسلام ولغة القرآن." فالكتابة لم تُعرَف في أفريقيا إلا بواسطة اللغة العربية وكلُّ ما كان يُحتاج إلى أن يُكتب فإن كتابته كانت تتمُّ بهذه اللغة دون سواها. وبالجملة فإن الثقافة في أفريقيا كانت ثقافة شفوية إلى أن دخلت اللغةُ العربية"(الودغيري دور المغرب في نشر الإسلام ولغة القرآن بالغرب الإفريقي). والمغاربة هم من قدم العربية لإفريقيا، ومعها قدموا العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي والزوايا الصوفية. ولمن يفهم دواخل التدين بالمغرب يفهم عمق العلاقة الروحية التي تجمع أهل إفريقيا جنوب الصحراء بالمغرب ومشايخه. والعربية أحد آليات الارتباط الدائم والتواصل اللزومي معهم. 
المصدر : موقع تربية بريس
البعد الدولي: دور المغرب في الدفاع عن العربية وترسيمها في المنظمة الأممية مازال موثقا لحد الآن . ويكفي التذكير بما قاله السفير رشيد لحلو في محاضرته الأخيرة بأن الملك محمد الخامس أول من استعمل اللغة العربية في أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك بتاريخ 09 دجنبر 1959، وأن أحمد الطيب بنهيمة وزير خارجية المغرب، الذي أدى دورا محوريا في تقديم مشروع 3190 خلال الدورة 28 الذي كان خطوة حاسمة لترسيم اللغة العربية دوليا وأن محمد الفاسي هو الذي نجح في إدخال اللغة العربية كلغة رسمية في منظمة اليونيسكو، لما كان يشغل منصب رئيس المجلس التنفيذي للمنظمة في مطلع السبعينات، وأعانه على ذلك الرجل الثاني في اليونيسكو أنذاك الدكتور المهدي المنجرة. فهل نرمي بكل هذه الجهود من أجل قناعات إثنية عرضية؟
المصدر : موقع تربية بريس
وتثبت هذه الأبعاد حضور المغرب الوازن في نشر العربية وحمايتها، وارتباط الضاد بالوجود الاستراتيجي للدولة المغربية. فمن كان يتصور أن اللغة العربية ليست إلا لسانا للتداول الشخصي دون استحضار دورها الجيوسترتيجي، فقد خالف الصواب. لأنه يصعب تصور وجود دور للمغرب وفعالية ديبلوماسية بعيدا عما تتيحه اللغة من علاقات بدول الجنوب والشمال. فعندما قال الدكتور المرزوقي أن مستقبل تونس ليس في تونس لم يكن يقصد دول المغرب العربي فقط بل هو مشروع أكبر يتضمن عودة الخطاب الهوياتي بقيمه الأصيلة للتسيد واسترجاع ما سرق من قيم وحدوية باسم الحداثة والتنمية والخصوصية القطرية. وأهم عناصر هذه القيم الانتماء العربي الإسلامي.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-