المسألة التعليمية والحكومة المقبلة

الصورة من موقع تربية بريس
تحتل قضايا التربية والتكوين والبحث العلمي ، موقع الصدارة في حياة الدول والشعوب والامم ، وتعد هذه القضايا مصيرية في حياتها ، ذلك أن النهوض الحضاري والتقدم وتحقيق التنمية الشاملة رهين ببلورة استراتيجيات واضحة في هذا السياق ، ومن منطلقاتها التنصيص القانوني والدستوري حول هذه القضية المحورية .
المصدر : موقع تربية بريس
وقد جسدت الوثيقة الدستورية الأخيرة، بعضا من هذه الهواجس، حيث أنه بقراءة متأنية لما حملته هذه الوثيقة ، نسجل انه وقع تطور دال لكنه غير كاف ، حيث نص الفصل 31 على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية تعمل على تعبئة كل المؤسسات المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات على قدم المساواة من الحق في «الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج ذي جودة « وأيضا التنشئة على التشبث بالهوية المغربية والثوابت الوطنية الراسخة « وأيضا «التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية « هذا على الرغم من عدم التنصيص صراحة على مجانية التعليم وإلزاميته ، وهو ما يعد في نظرنا تقصيرا بينا ، لان العبارة التي وردت أن الدولة «تسهر على تعبئة الموارد ...» غير ملزمة . وفي المقابل نجد البند الخاص بالتعليم الأساسي ينص على واجب كل من الدولة والأسرة « مما يعني تقسيما لمسؤولية الدولة اتجاه أهم الحقوق وهي التعليم.
وفي اعتقادنا أنه رغم هذه الملاحظات التي يمكن تسجيلها ، فإن أي قراءة لهذه البنود لا يمكن أن تكون معزولة عن بعضها ، بل هي تشكل كلا ينتظم في الجميع ، فمثلا الفصل 32 نص «على التعليم الاساسي حق للطفل وواجب على الاسرة والدولة « « وتسعى الدولة لتوفير الحماية القانونية والاعتبارية الاجتماعية والمعنوية لجميع الاطفال ، بكيفية متساوية ، بصرف النظر عن وضعيتهم العائلية «وهكذا نقرأ في الفصول الاخرى 33 و34 الخاص بانشاء مجلس أعلى للشباب والعمل الجمعوي ، أنها بشكل أو بآخر تؤكد على الحق في التنشئة الاجتماعية والمساعدة على الاندماج في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للشباب وللطلبة والتلاميذ .

المصدر : موقع تربية بريس
أما بخصوص المجلس الاعلى للتعليم ، فقد خصص له بند خاص على خلاف الدستور السابق ، حيث أنه في مجال إحداث هيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديموقراطية التشاركية ، يحدث حسب الفصل 168 مجلس أعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي « ونلاحظ أنه تم إضافة» البحث العلمي» في الوثيقة الجديدة ، وأيضا تم الحديث عن طبيعة هذه المؤسسة ، إذ أنها « هيأة استشارية ، مهمتها إبداء الآراء حول السياسات العمومية ، والقضايا الوطنية التي تهم التربية والتكوين والبحث العلمي ، وكذا حول أهداف المرافق العمومية المكلفة بهذه الميادين وسيرها . كما يساهم في تقييم السياسات والبرامج العمومية في هذا المجال »
المصدر : موقع تربية بريس
ومن خلال هذا التخصيص ، نلاحظ أن مشروع الدستور الحالي ، انتهج صيغة التفصيل ، بدل الاقتضاب السابقة . ونسجل أن إضافة البحث العلمي في اختصاصات المجلس الاعلى ، له من الدلالة ، ما يجعل من هذه المؤسسة الوطنية ، مؤسسة مرجعية في بلورة وصياغة الاستراتيجيات الكفيلة بالنهوض بالبحث العلمي في كافة التخصصات والمجالات .سواء منها، النظرية والتطبيقية،أو المرتبطة بالعلوم الدقيقة والتقنية وبالعلوم الاجتماعية والإنسانية والتربوية»
المصدر : موقع تربية بريس
من خلال ما سبق عرضه يتبين أن مشروع الوثيقة الدستورية ، ذهبت في منحى التدقيق والتفصيل في اختصاصات عدة هيئات ومن بينها المعنية مباشرة بالتعليم ، وأيضا إضافة مؤسسات رافدة للمدرسة المغربية ، ويمكنها أن تساهم في تهيئة الظروف والشروط والحيثيات الملازمة لنجاح كل مشروع ، ومن بينها المجلس الاستشاري للاسرة والطفولة وكذا المجلس الاعلى للشباب والمجتمع المدني ، وهذه بدون شك إضافة نوعية في هذه الوثيقة .
المصدر : موقع تربية بريس
لكن رغم التنصيص في الوثيقة الدستورية على هذا المكون الهام والحيوي، فإن التفعيل الأمثل رهين بحكومة قوية ومنسجمة وذات فعالية ونجاعة كبيرين، وهو ما نعتقد أن المسار الحالي الذي انطلقت فيه المشاورات الاخيرة بين الأغلبية المشكلة لحكومة السيد عبد الاله بن كيران، يؤشر على بروز ثقافة سياسية جديدة في الساحة المغربية، حيث أن الميثاق السياسي الموقع بين هذه الأحزاب، يبين مدى نوعية الانعطافة السياسية في تدبير الشأن العام بالبلاد.
المصدر : موقع تربية بريس
وقد أبالغ في القول، أننا أمام مشروع مجتمعي، وأرضية توافقية تعاقدية بين النخبة السياسية والمجتمع، وهو ما يعد في نظرنا منطلقا قويا لاستئناف واستكمال ورش المنظومة التربوية ببلادنا. نقول استكمال، لأن المتتبع لمراحل التعليم في السنوات الأخيرة، خصوصا مع إقرار الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وما أعقبه من برنامج استعجالي، لا يشك مطلقا في توفر المغرب على رصيد معتبر من الناحية المنهجية والعملية على مشاريع ورؤى وخطط وميزانيات، كان بإمكانها أن تحقق نقلة نوعية في هذا القطاع، لولا غياب الدعم المجتمعي وهشاشة العملية الديمقراطية، التي لم تستطع أن تفرز حكومة منتخبة وذات مصداقية، إلا أن الربيع المغربي وثورة الصناديق ليوم 25 نونبر، استطاعت أن تكسر هذا التحكم، وأن تمنح للمغرب، حكومة شعبية.وعليه فإننا نتوقع أن تباشر هذه الحكومة عملها في هذا القطاع، بمنهج استيعابي وتراكمي، لا يشكل قطيعة مع ما سبقه من برامج( وخصوصا البرنامج ألاستعجالي ) لأن كل متتبع موضوعي، لا يسعه إلا أن يثمن بعضا من التوجهات التي تضمنها هذا البرنامج، ومن بينها فلسفة التعاقد مع الجامعات، وأيضا منهجية المخطط والمتابعة والتقويم والتدخل، هذا علاوة على مجمل المشاريع التي تضمنها والتي، لا تحتاج إلا إلى إشاعة نفس جديد، وإلى روح ديمقراطية، قائمة على ثقافة الاستحقاق، وإعمال مبدأي المسؤولية والمحاسبة في كافة المستويات والمجالات، سواء منها الأفقية أو العمودية.وكذا نهج سياسة فعالة ، وإلى إشاعة نفس التنافس بين جميع المتدخلين، حتى يمكننا ربح رهانات التحديات التي تنتظر مغرب ما بعد 25 نونبر، وحكومة التغيير الجديدة. وما ذلك على الله بعزيز.
 المصدر : موقع تربية بريس
رشيد جرموني
التجديد 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-