تربية بريس
بقلم عبد الخالق نتيج
إن الخطأ سمة من سمات البشر و لا يمكن تخيل أو تصور إنسان لا يخطأ
لقد حضرت مؤخرا حلقة تكوينية حول بيداغوجية الخطأ، و قد تأثرت كثيرا لسببين: أولهما أني إنسان معرض دائما للخطأ، و ثانيهما أني جد مهتم بمجال التربية والتكوين و كل ما يدور في فلكهما.
سأحاول في هذه المقالة أن أسلط الضوء على بعض المفاهيم و الأفكار التي أعتبرها مهمة، وأحاول أن أغير من وجهة النظر لأقرب الصورة أكثر.
المصدر : موقع تربية بريس
أولا الخطأ في اللغة مُجانبة الحقيقة و في الاصطلاح كل شيء جاء مخالفا لما تعتبره الجماعة (المجتمع) صحيحا، هذا التعريف يفترض أن الحقيقة واحدة مستقرة و ثابتة، لكن هذه ليست الحالة العامة بل الحالة العامة أن الحقيقة غير ثابتة إلا في الحالات القطعية؛ فمعظم الحالات و الظروف التي يمُر بها البشر نسبية .
ثم معايير الخطأ و الصواب و مدى مصداقيتها و موضوعيتها؛ فكثيرا ما يظلم الناس بسبب اعتقادات هي أقرب للهوى يعتبرها الشخص حقيقة قطعية يحكم بناء عليها على الناس، أو عبارة عن عادات و تقاليد تحكم المجتمع تجعل كل مخالف لها مخطأ يستحق العقاب.
إن الخطأ سمة من سمات البشر و لا يمكن تخيل أو تصور إنسان لا يخطأ، لذلك علينا أن نتعامل مع الخطأ من منطق أنه طبيعي و أنه أصل و ليس طفرة وجب استئصالها، بل لابد أولا من التأكد أن هناك خطأ في الأصل، خَطأ في حقيقة قطعية لا تقبل الاجتهاد، و ثانيا تقبل الخطأ على أنه من الطبيعة البشرية ثم محاولة فهم أسبابه و خلفياته؛ لأن الخطأ مؤشر على وجود خلل إما في المعرفة (المعلومات) أو في طريقة التفكير ( التحليل و الاستنتاج )، بعد معرفة السبب نحاول علاجه.
المصدر : موقع تربية بريس
عند العلاج ينقسم الناس لثلاثة مجموعات:
المجموعة الأولى ترى أن العلاج لابد أن يكون بالقوة و القسوة أو كما يقال بالحديد و النار، هذه المجموعة تعتبر العقاب سواء اللفظي أو الجسدي أفضل طريقة لتعليم الطفل عدم تكرار الخطأ أو التهاون فيه، معظم هؤلاء الداعين لهذا الاتجاه ينطلقون من وجهات نظر شخصية؛ فتجده يقول دائما انظر إلى جيلنا رُبي بالقوة فكانت النتيجة جيل من الرجال و النساء الصالحين.
المجموعة الثانية من المربين و المفكرين عكس الأولى؛ فهي تقول بأن العقاب سواء اللفظي أو الجسدي تعدي على حقوق الطفل و خرق للقوانين والأعراف الدولية بل تعتبره جناية تستوجب المحاكمة، و تقول بأن العقاب لا يؤدي إلا إلى أمراض نفسية و جسدية تجعل الإنسان أكثر قسوة و أقرب إلى الجريمة؛ لأنها تشوه إنسانيته.
و هناك مجموعة ثالثة في الوسط و تقول أن الحالة العامة عدم معاقبة المخطئ إلا أن هناك حالات شاذة تستوجب العقاب بضوابط أهمها عدم القسوة و أن يتناسب العقاب مع الخطأ, لأنه في كثير من الأحيان يتجاوز العقاب الخطأ ليصبح تنفيسا عن مكنُونات المربي و يصبح هذا الفتى بسبب ضعفه وعدم قدرته على الرد الملجأ الأمثل لإفراغ غضبنا من الناس و الحياة, فكثيرا ما نمنع أنفسنا من الرد على المدير الغاضب و من الرد على السائق المتطفل و من الرد على الجار المؤدي، لنجمع كل هذه الشحنات السلبية ونفرغها على خد الطفل المسكين، الذي لم يعي أو يستوعب أصلا لما ضُرب، و هنا سأسوق مجموعة من المعايير التي أعتبرها مهمة:
المصدر : موقع تربية بريس
أولها أن العقاب هو الحالة الشاذة و لا يمكن جعلُه القاعدة، العقاب لا يكون بسبب الخطأ بل لتكرار الخطأ، ثالثا لابد أن يُناسب العقاب الخطأ و أن نتحاش الوجه و المناطق الخطرة، رابعا لابد من التوازن بين العقاب و غض الطرف فلا نعاقب مرة و نتغاضى مرة أخرى على نفس الخطأ – كي لا يكون العقاب مزاجيا – بل لابد من الحفاظ على مصداقية العقاب، خامسا لابد أن يَعي المخطئ لما عوقب، سادسا لا نعاقب و نحن في حالة غضب لكي لا يتحول الغضب من وسيلة تربوية لتنفيس عن الغضب، لابد من الفصل بين الحادثة والعقاب وفي نفس الوقت لا يجب تأخيره كثيرا لكي لا يصبح بدون معنى، سابعا لابد من تجربة كل الوسائل التربوية الأخرى قبل اللجوء للعقاب.
المصدر : موقع تربية بريس
من وسائل تجنب العقاب تربية الطفل على عدم تكرار نفس الخطأ و ذلك بزرع الوازع الداخلي – الأخلاق، الضمير و القيم – الذي يمنعه من تكرار الخطأ بعد معرفته و بهذا نتجنب أكثر من 80 في المائة من مشاكل العقاب – حسب تصوري – ثانيا أن ننبه للخطأ بشكل لائق فور الوقوع فيه دون ضغط أو تحقيق معمق، ثالثا استخدام وسائل الردع مثل التهديد أو الحرمان من الامتيازات و الهوايات المُحببة، رابعا إجباره على أعمال لا يحبها تعويضا عن الخطأ و تحملا للمسؤولية مثل أعمال المنزل أو حتى خارجه، خامسا تدعيمه و تشجيعه عند التخلص من أحد الأخطاء.
المصدر : موقع تربية بريس
الخلاصة:
إن تاريخ الإنسانية يشهد أنه لولا الخطأ لما تطور الإنسان و الكل يجمع أنه يتعلم من أخطائه أكثر من نجاحاته، لكن لابد من ضوابط تجعلنا قادرين على الاستفادة من تجاربنا.
محبرة الحكيم:
المصدر : موقع تربية بريس
التجربة كنز لا يعلم قيمته إلا من عاش مفتونا لا يعي ما يحيط به متى أخطأ ومتى أصاب، يُذكر أن رجلا كان يقول لطالما أخطأت و لم أعاقب ثم فكر قليلا و قال: لطالما عوقبت و لم أدري.
تأصيل:
قال صلى الله عليه وسلم: "لا تذهب تهز عطفيك في مكة تقول خدعت محمدا مرتين لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين" صحيح البخاري
المصدر : موقع تربية بريس
وقال صلى الله عليه وسلم : "كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون"
المصدر : موقع تربية بريس
رواه الترمذي