ثانوية المسيرة بتيزنيت... معلمة تربوية تصارع الزمن

الصورة من موقع تربية بريس
مازالت ثانوية المسيرة الخضراء وسط تيزنيت شامخة منذ افتتاحها سنة 1976. دخلت إليها سنة 1981 وغادرتها بعد حصولي على شهادة الباكالوريا، شعبة العلوم التجريبية، خلال دورة استدراكية. وشاءت الأقدار، بعد عشر سنوات، أن أعود إليها مدرسا إلى اليوم، رفقة مجموعة من أصدقاء الدراسة، أمثال الأستاذين حسن بوليد والأستاذ العربي أبو عبد الله. ومنذ عودتي إلى فصولها، وأنا أعتبر علاقتي بها علاقة الأم بأبنائها والجدة بأحفادها، إذ بعد أن تربيت وتكونت في حضنها، غادرتها للالتحاق بالجامعة، وبعد عقد من الزمان، استقبلتني من جديد لاحتضانها ورد الجميل إليها.
وبصفتي تلميذا ومدرسا، عاشرت جميع مديري الثانوية باستثناء احمد شرف الدين، أول مدير للمؤسسة، لكن جاء بعده سي عبد الله السعيدي، ثم سي عبد الله السالمي الذي قال يوما، ردا على الأساتذة الذين احتجوا على إدارة المؤسسة التي كانت تقبل استقبال عشرات التلاميذ التي يغادرون الثانويات الأخرى في اتجاه المسيرة، "الناس بغاوكم... راه النحل كايختار غير الحدائق المزهرة"، بعده جاء الحاج علي بوكلادة، صاحب اللباس الأنيق، وأخيرا الأستاذ محمد إندمسكين، ابن قبيلة الكريمة الساحل.
فكرة تراودني من حين إلى الآخر.. هل من الممكن أن أهرب إلى الماضي من أنياب الحاضر كي أستذكر أياما عزيزة على نفسي لعلها تسقي واحة العمر التي أوشكت على الجفاف؟؟ وها أنا أمتطي صهوة ذكرياتي وأعود إلى أيام لها طعم الأحلام الجميلة، وأحط في الثانوية التأهيلية المسيرة الخضراء بتيزنيت.
كان صباحاً صيفيا، ولجنا قسم الرياضيات لدى الأستاذ غشام، ذي القامة الطويلة وصاحب الخط الجميل واللباس الأنيق والسلوك الراقي.. حبب إلي الحساب والمنطق، وكنت أتفوق فيهما على جميع الزملاء رغم قلة ذات اليد، إذ لم أكن أتوفر حتى على الكتاب المدرسي.
المصدر : موقع تربية بريس
في صباح اليوم التالي، كنا على موعد مع حصة الفيزياء مع الأستاذ بوسيف، ساد بيننا خوف وحزن، وبعد دقائق أطل علينا وألقى تحية الصباح وراح يتحدث إلينا ويخطف النظرات.. جسم نحيف ووجه أسمر.. ولمدة تسعة أشهر لم تظهر الابتسامة على شفتيه.. ولما وزع علينا معدلات الدورة، كانت المفاجأة كبيرة، حين حصلت على الرتبة الأولى في مادة الفيزياء، لكن بمعدل 12 على 20.. كان أستاذا شحيحا مع التلاميذ في جانب النقط.. الجميع ترتعد فرائسه في حصته..أما أستاذ مادة العلوم الطبيعية الذي لم أعد أتذكر اسمه، لكن صورته بقيت راسخة في ذهني إلى اليوم، فكان ذا بنية قوية لا يفارق الوزرة البيضاء، أناقة فوق العادة، ابتسامة لا تفارق وجهه، لأول مرة كنا نشتهي الدخول إلى القاعة 14 حيث الروائح الزكية التي كان ينشرها، وذات يوم قالت لي تلميذة زميلة الفصل في درس التغذية "بإمكاننا أن نصدق أستاذ العلوم فيما يقول لأن أثر ما يقول يظهر عليه"..
صحيح أن بعض الأساتذة وضعوا بصماتهم في صياغة شخصيتنا بطريقة اشتغالهم واحترامهم لمهنتهم وللتلاميذ، من أمثال الحسين الرامي، أستاذ التربية الإسلامية، وصالح بركينو، أستاذ الاجتماعيات، والحاج المختار مرب، وسي عبد القهار يسار، من أساتذة اللغة العربية، وإدريس عارف وعبد السلام أرجدال، أستاذا التربية البدنية، هؤلاء كلهم وآخرون ما زالوا يؤدون رسالتهم التربوية بالقرب مني بكل تفان وصبر. وما جعل اسم ثانوية المسيرة الخضراء يحتل مكانة في أذهان المسؤولين مركزيا وجهويا، هو مستوى التحصيل المتفوق لدى التلاميذ.
أسترجع تلك الأيام الممزوجة بتطلعاتنا نحو مستقبل كنا نظن أننا نحدد شكله ونبنيه بالأماني والتجارب العاطفية المتوهجة، وبمثلنا العليا التي لا نراها على شاشة السينما بحي الملاح بتيزنيت، وإنما داخل أسوار الثانوية.
المصدر : موقع تربية بريس
إبراهيم أكنفار (تيزنيت) 
 الصباح
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات