من المؤسف، فعلا، أن تصبح القضايا المصيرية للشعب المغربي، كالوحدة الترابية والاقتصاد والتعليم والوضع المعيشي، مجرد «أوراق لعب» في جولات قمار، بين يدي سياسيين يلعبون بشكل «غير نظيف»... ومن المؤسف، أكثر، أن يصير «اللعب غير النظيف» قاعدة سياسية وتصبح المقامرة أختا شقيقة للسياسة في بلد قال فيه المغاربة، قبل مدة قصيرة جدا، «نعم» لمغرب جديد، فبعد الهدوء النسبي لِما بعد إقرار الدستور، ها هم سياسيونا يعودون إلى طبيعتهم، تماما كما يعود المتطبّع على أخلاق غيره إلى طبعه وخلقه المتأصل فيه. ها هم يقامرون بمستقبل شعب بأكمله من أجل حفنة أصوات، قيل، والله أعلم، إنها هي التي ستحسم أمر الحكومة المقبلة، فبعد «جولة» مخيم «أكديم إيزيك» و«جولة» سحب مشروع القانون المالي، استعرت جولة جديدة، والورقة هذه المرة هي التعليم، وهي جولة ما تزال مفتوحة على كل أشكال «اللعب» وأغربها.. كان آخر هذه الأشكال اتّهام جريدة حزب رئيس الحكومة عضوا في الحكومة، هو وزير التربية الوطنية، بالكذب على الملك، في التقرير الذي رفع إلى عاهل البلاد حول البرنامج الاستعجالي، ورد هذا الوزير، من خلال بيان صادر عن مكتبه، بلغة لا تقل عنفا، ولا أحد يشك في كون الجولة ما تزال مفتوحة.
فتهمة بهذا الحجم تقتضي فتح تحقيق عاجل، إما لمحاسبة الوزير، ومنها نشرع في حسنة محاسبة المسؤولين، أو لمحاسبة من اتهموه بتقديم بلاغ كاذب. وفي كلا الحالتين، ينبغي الاعتراف أن هذه «الجولة» بين الطرفين لا تشبه سابقاتها، للأسباب التي سنقف عند بعضها:
فتهمة بهذا الحجم تقتضي فتح تحقيق عاجل، إما لمحاسبة الوزير، ومنها نشرع في حسنة محاسبة المسؤولين، أو لمحاسبة من اتهموه بتقديم بلاغ كاذب. وفي كلا الحالتين، ينبغي الاعتراف أن هذه «الجولة» بين الطرفين لا تشبه سابقاتها، للأسباب التي سنقف عند بعضها:
المصدر : موقع تربية بريس
أولا، إن الوضع الكارثي لتعليمنا قبل البرنامج الاستعجالي هو قضية بديهية، وبداهتها تجعلها فوق و«تحت» كل تجاذب سياسي، مهما كانت طبيعة أطرافه ومهما كان حجم جشعهم الانتخابي، فإذا كان واقع حالنا اليوم يُغْني عن لغط قولنا، لكونه يعطي الأدلة القاطعة على أن التعليم في المغرب أضحى مرضا مزمنا، بدليل نسبة الاكتظاظ هذه السنة، والتي بلغت الستين تلميذا في الفصل الواحد، وانطلاق الموسم الاحتجاجي قبل بدء الموسم الدراسي نفسه.. فإنه من البداهة القول إن رئيس الحكومة هو من عليه تحمُّل المسؤولية السياسية عن هذا الوضع، وبالتالي فرسالة رئيس الحكومة الحالي إلى الوزيرة العبيدة بخصوص تسوية ملفات بعض رجال التربية والتكوين هي كمن «يحجب الشمس بالغربال»، لأن الجميع يعلمون أن التكلفة المالية للتسويات لا يمكن أن تكون إلا بموافقة رئيس الحكومة، وهي أيضا محاولة للعب دور «الشرطي الطيّب» قبل أقل شهر من الانتخابات القادمة...
ثانيا، لنفترض أن التقرير الذي وجه للملك كان يهُمّ مرحلة ما قبل الحكومة الحالية، أفلا يجدر بنا أن نساءل رئيس هذه الحكومة عما فعله لتدارك الوضع؟ ولنفترض، جدلا، أن الوزير المعني بالتهمة كان أقوى من رئيسه ولم يقدر هذا الأخير على صده أو على تغيير إستراتيجية عمله، فلماذا دأب وزراء تابعون لحزبه على زيارة المؤسسات التعليمية مع انطلاق كل سنة دراسية في مرحلة البرنامج الاستعجالي، ليشجعوا «وتيرة الإصلاح»، كما سمعتُ ذلك شخصيا، مرارا، من هؤلاء؟ ما هو الموقف السليم الذي ينبغي لرئيس حكومة اتخاذه في حالة عصيان وزير محسوب على حكومته؟
ثالثا، لنفترض أن تهمة «الكذب على الملك» هي قضية صحيحة وأن البرنامج الاستعجالي بُني على تقرير «كاذب»، فلماذا صمت عنها وزراء وبرلمانيو هذا الحزب؟ لماذا صوتوا بالإجماع على الميزانية الضخمة التي خُصصت لهذا البرنامج؟ أفلا يجعلهم هذا الفعل متّهَمين بتهمة «التستر» على خطأ، إضافة إلى هدر المال العام على برنامج مؤسس على تقرير كاذب؟ فالأكيد أنه إذا ثبتت التهمة، من الناحية الأخلاقية، في حق مقترفِها فهي تشمل، أيضا، بموجب الحديث النبوي الشريف، «الشيطان الأخرس»، الذي لم يكشفها في حينها.
فجأة، إذن، «استيقظ» خطاب الأزمة في تصريحات السياسيين المغاربة، فالكل يتكلمون عن الأزمة: أزمة التعليم، كما سلف، أزمة الاقتصاد، أزمة الوضع المعيشي... ليس لأنها غير موجودة، بل لأن الحديث عنها أضحى «أسلوب لعب» في جولات «مقامرة»، حيث يفردون لها ما تهواه أنفسهم من قبيح الكلام وأرذله، إلا ذواتهم فهم القديسون المُضحّون والمناضلون.. إلخ.
نتفهّم أن تكون السياسة صراعا، لكنْ لا نتفهم أن تكون مقامرة على الثوابت.. نتفهم أن تكون المزايدات جزءا من لعب السياسة، لكنْ لا نتفهم أن ترهن الانتخابوية مستقبل البلد وأن تصبح الانتخابات «هدفا» في ذاتها.. نتفهم أن تكون قيّم العداوة والصداقة نسبيتين في السياسة، لكنْ لا نتفهم أن يُقحَم اسم الملك، وهو رمز وحدة المغرب والمغاربة، في هذه النسبية.. فإلى أن يمُن الله على هذا الشعب بسياسيين فضلاء لا يقامرون بثوابت هذا البلد، يصبح لكل الكلام الذي يقال الآن عن خيبات الأمل كثير من المعقولية والمصداقية...
المصطفى مرادا
المساء
ثانيا، لنفترض أن التقرير الذي وجه للملك كان يهُمّ مرحلة ما قبل الحكومة الحالية، أفلا يجدر بنا أن نساءل رئيس هذه الحكومة عما فعله لتدارك الوضع؟ ولنفترض، جدلا، أن الوزير المعني بالتهمة كان أقوى من رئيسه ولم يقدر هذا الأخير على صده أو على تغيير إستراتيجية عمله، فلماذا دأب وزراء تابعون لحزبه على زيارة المؤسسات التعليمية مع انطلاق كل سنة دراسية في مرحلة البرنامج الاستعجالي، ليشجعوا «وتيرة الإصلاح»، كما سمعتُ ذلك شخصيا، مرارا، من هؤلاء؟ ما هو الموقف السليم الذي ينبغي لرئيس حكومة اتخاذه في حالة عصيان وزير محسوب على حكومته؟
ثالثا، لنفترض أن تهمة «الكذب على الملك» هي قضية صحيحة وأن البرنامج الاستعجالي بُني على تقرير «كاذب»، فلماذا صمت عنها وزراء وبرلمانيو هذا الحزب؟ لماذا صوتوا بالإجماع على الميزانية الضخمة التي خُصصت لهذا البرنامج؟ أفلا يجعلهم هذا الفعل متّهَمين بتهمة «التستر» على خطأ، إضافة إلى هدر المال العام على برنامج مؤسس على تقرير كاذب؟ فالأكيد أنه إذا ثبتت التهمة، من الناحية الأخلاقية، في حق مقترفِها فهي تشمل، أيضا، بموجب الحديث النبوي الشريف، «الشيطان الأخرس»، الذي لم يكشفها في حينها.
فجأة، إذن، «استيقظ» خطاب الأزمة في تصريحات السياسيين المغاربة، فالكل يتكلمون عن الأزمة: أزمة التعليم، كما سلف، أزمة الاقتصاد، أزمة الوضع المعيشي... ليس لأنها غير موجودة، بل لأن الحديث عنها أضحى «أسلوب لعب» في جولات «مقامرة»، حيث يفردون لها ما تهواه أنفسهم من قبيح الكلام وأرذله، إلا ذواتهم فهم القديسون المُضحّون والمناضلون.. إلخ.
نتفهّم أن تكون السياسة صراعا، لكنْ لا نتفهم أن تكون مقامرة على الثوابت.. نتفهم أن تكون المزايدات جزءا من لعب السياسة، لكنْ لا نتفهم أن ترهن الانتخابوية مستقبل البلد وأن تصبح الانتخابات «هدفا» في ذاتها.. نتفهم أن تكون قيّم العداوة والصداقة نسبيتين في السياسة، لكنْ لا نتفهم أن يُقحَم اسم الملك، وهو رمز وحدة المغرب والمغاربة، في هذه النسبية.. فإلى أن يمُن الله على هذا الشعب بسياسيين فضلاء لا يقامرون بثوابت هذا البلد، يصبح لكل الكلام الذي يقال الآن عن خيبات الأمل كثير من المعقولية والمصداقية...
المصطفى مرادا
المساء