تحقيق:التربية على الخوف؟

هشام عابد- باحث في الفكر الإصلاحي

هناك أسباب واقعية وحقيقية مقبولة، أو أسبابا مرضية تعزى لطبيعة التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي يتلقاها الأطفال ضمن الأسرة المنتمين إليها. وبالنسبة للخوف المرضي فهو يصنف إلى عدة أنواع: الخوف من الأمكنة المقفلة، من المرتفعات، من الماء...
أما ما نريد الحديث عنه نحن هنا هو الخوف الناتج عن التربية والتنشئة الاجتماعية المغربية. حيث تشير بعض الدراسات التربوية في نتائجها أن هناك علاقة عكسية بين متغير الخوف والتحصيل وكلما قل الخوف زاد التحصيل، فلابد أن نأخذ بعين الاعتبار الأمن والطمأنينة والأجواء السليمة للتلميذ والطالب داخل المدرسة والجامعة. والبعض الآخر ينتابه الخوف من أن شيئا ما خطأ أو بشكل غير مناسب، والبعض الآخر يخاف مما قد يقوله الناس عن مظهره وثيابه، والبعض الآخر يخاف من أن يتكلم عنه الآخرون ويلاحظ الآخرون ذلك...
حتى أن المرء في المغرب يتعلم منذ نعومة أظافره أن هناك ثلاث أشياء عليك أن تخافها في المغرب "البحر والعافية والمخزن" فيكونون بذلك قد خطوا له خطوطا حمراء عليك عدم التفكير في تجاوزها، بل حساب ألف حساب لها وبما أن البحر والنار مجرد أشياء جامدة وغير عاقلة فيبقى المخزن كرمز للسلطة والقهر والعقاب هو ذلك المارد الخطير التي على المغربي منذ طفولته تجنب بطشه وشره.
إلى جانب هذا تتم التربية بالمغرب تحت شعار "الحشومة"! فمنذ أيام الطفولة الأولى، تجد الأسرة في شخص الأبوين وأفراد العائلة الراشدين يطلبون من الطفل أن يجمع يديه إلى صدره أو أمامه ويجلس صامتا لا ينبس ببنت شفة، ويعلمونه أن يأكل لوحده، وأن لا يتكلم في حضرة الناس الكبار لأنه ما زال صغيرا، ولا يتكلم أبدا في حضرة الضيوف... ويعلمونه بالتالي أن الاحترام هو هذا وعليه تطبيق روزنامة هذه التعاليم الصارمة لينجو من سطوة العقاب الشديد إن خالف الشروط والقوانين. فيصنعون من الطفل وحشا وقنبلة موقوتة ما تلبث أن تنفجر لما يشتد عوده ويبلغ السن الذي لا تنفع معها إسكاته أو قمعه، فتحصد الأسرة ما كانت تزرع.
وإلى جانب هذا كله فإني ألاحظ أن الطفل مجرد مخلوق صغير حين تملى عليه هذه الشروط و الأوامر فيقولون له "أنت باقي صغير"، في كل الأمور التي لا يريدونه أن يفعلها. ولكنهم يقولون له العكس في المسائل التي يريدون فيها أن يؤنبوه أو يحملوه فيها مسئوليتها أو الحالات التي يكون فيها مطالبا بإنجاز عمل ما. فيصبح الذي قيل له بالأمس أنت باقي صغير كبيرا، "أنت راك كبير زعما أو بعقلك"! فيعش انفصاما وحيرة كبرى لا يعرف لها مخرجا، فتكون النتيجة العيش بين مطرقة وسندان ازدواجية الخطاب الأسري الموجه إليه وبالتالي المزيد من الأخطاء والمشاكل.
إلى جانب أنه تزرع في الطفل عشرات الطابوهات دون أن يعرف الأسباب أو تفسر له الأشياء الغامضة والملتبسة، حتى أنه يتم ضربه أحايين كثيرة دون أن يكون ذلك مرفوقا بشرح واضح ودقيق لسبب تعنيفه وتأنيبه حتى لا يعيد الكرة عن فهم واقتناع، فيعيد الكرة لأن كل محرم مرغوب فيه خصوصا بالنسبة للطفل وعقليته، فتكبر بداخله الطابوهات إلى أن تصير وحشا مع الأيام.
من جهتهم فالآباء المغاربة يتحصنون في "أنا أبوه وعليه الطاعة والاحترام" وكفى..! دون تفسير أسباب ضربه لابنه حتى يتفادى طفله القيام بتلك الأفعال عن قناعة وليس عن خوف.
والأم من جهتها تنقل إلى ابنها الخوف وعدم الثقة من الآخرين (عنداك يضربوك الدراري، عنداك يضحكوا عليك، عنداك مول الحانوت يديلك 50 فرنك راه كيزيد في الثمن، سدوا الباب راه القمارة كيقتلوا الناس..!).
كما أن الأبناء لا ينتظرون بلوغ سن المراهقة لكي يفقدوا ثقتهم في أنفسهم وفي آبائهم، بل إن ذلك يتم قبل سن الخامسة، والعديد من الأطفال لا يستطيعون الاعتماد على آبائهم الذين يعيشون بدورهم أوضاعا هشة ماديا ومعنويا واجتماعيا، ويحيون بذلك في فقدان الثقة ونفسية متدهورة، يؤدي إلى أن هؤلاء الأطفال لا يحتفظون بصور أبوية قوية من شأنهم الاعتماد عليها في سن المراهقة، أخطر مراحل العمر، وبالتالي تفقد الوظيفة الأبوية محتواها الأساسي الذي هو الحماية والتربية على الشجاعة والصدق وإعطاء نموذج صحي عن الرجولة والمسؤولية.
ازرعوا الثقة والقوة في عقول وقلوب وأرواح أبنائكم حتى تصنعوا أناسا أسوياء أقوياء وقادرين على التعبير والمشاركة وبشخصيات منفتحة قادرة على التواصل والعطاء...

هشام عابد
هبة بريس
تربية بريس
تربية بريس
تعليقات