الأستاذ(ة) المصاحب(ة):طموح المشروع وإشكالات التدبير

مصطفى بتي، مفتش تربوي.

أمام الخصاص المهول في المفتشات والمفتشين  الذي تعرفه الساحة التربوية بالمغرب، لجأت الوزارة الوصية إلى اعتماد صيغة جديدة تتمثل فيما أصبح يصطلح عليه آلية المصاحبة، فبعد مواكبة المديرات والمديرين في إطار جماعات الممارسات المهنية، ارتأت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني أن تعتمد مقاربة الأستاذ(ة) المصاحب(ة) كتدبير للمصاحبة والتكوين عبر الممارسة .

سياق المشروع:

تندرج فكرة الأستاذ(ة) المصاحب(ة) ضمن تدبير المصاحبة والتكوين عبر الممارسة، المرتبط بالمشروع رقم 9 الخاص بالارتقاء بالتكوين الأساس والتكوين المستمر، في إطار الفصل الثاني: تحت شعار      “من أجل مدرسة الجودة للجميع”.

ويهدف المشروع إلى إحداث آلية للمصاحبة لفائدة المدرسات والمدرسين الممارسين قصد تطوير الممارسات الصفية والرفع من مستوى التحصيل الدراسي لدى المتعلمات والمتعلمين. كما يروم تحسين الممارسات الصفية للأساتذة الممارسين وخريجي المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين الجدد، مع  تشجيع الأساتذة على تبني واستثمار التجديدات التربوية، وتعزيز  تقاسم التجارب الناجحة وتبادل الخبرات بين المدرسين.

وقد تم تبني مشروع المصاحبة – حسب واضعيه- بناء على مجموعة من التراكمات التي عرفتها منظومة التربية والتكوين، من قبيل: الأستاذ المرشد، الأستاذ المرشد TICE؛ الأستاذ الكفيل، الاصطحاب (عدة تأهيل الأساتذة في المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين)، الشخص المورد (بيداغوجيا الإدماج)، ومواكبة مشاريع المؤسسة في إطار جماعة الممارسات المهنية.

وبناء أيضا على بعض نتائج البحث التربوي؛ فالمصاحبة – على هذا الأساس- تزيد من إمكانية استعمال الأساتذة والأستاذات لممارسات تعليمية جديدة ذات جودة داخل الفصول الدراسية، وتشكل رافعة أساسية في قيادة التغيير وتمكين الأساتذة من تملك التجديد التربوي، كما تساهم في تعزيز التنمية المهنية للأستاذة والأستاذ,

 هذا بالإضافة إلى استثمار بعض التجارب الدولية (تجربة كندا ، تجربة أنجلترا ، تجربة شنغهاي ، تجربة اليابان) والتي أظهرت  ارتفاع مستويات التحصيل الأكاديمي للمتعلمات والمتعلمين في هذه  المنظومات التربوية التي استثمرت في التطوير المهني المستمر  للمدرسات والمدرسين,

مفهوم المصاحبة:

يتمثل مفهوم المصاحبة المعتمد رسميا  في  “قيام أستاذ مشهود له بالخبرة في التدريس، وحسن الإنصات والتواصل، بمصاحبة زملائه في الميدان، بحيث يساعدهم على تحديد المشاكل المطروحة من وجهة نظرهم، وعلى إيجاد حلول واستراتيجيات يراها مناسبة، ثم مرافقتهم في تطبيق الحلول والاستراتيجيات التي توصلوا إليها لتحقيق الأهداف التي يسعون إليها. وبالتالي تنعدم أية علاقة تراتبية، أو سلطوية في هذه المهمة. فالمصاحب ليس مفتشا، ولا يقيم أداء المستفيدين من المصاحبة.”

من هذا المنظور، تهدف المصاحبة إلى مساعدة المستفيدات والمستفيدين منها  على حصر الصعوبات التي يصادفونها أثناء مزاولة مهامهم، ومرافقتهم في بلورة استراتيجيات ملائمة لتجاوز هذه الصعوبات. كما تتنوع المصاحبة بتنوع مجالات تدخل المصاحِب(ة)، بحيث يمكن التمييز بين:

المصاحبة البيداغوجية( في الأبعاد التربوية والديدكتيكية والقيمية والأخلاقية،… )، والمصاحبة السيكولوجية(تشجيع، تحفيز، دعم …)، والمصاحبة الاجتماعية( الإدماج في جماعة، العمل في فريق….)، والمصاحبة المادية( تقديم نماذج من وثائق وأدوات العمل…).

مهام وأدوار الأستاذ(ة) لمصاحب(ة):

مما سبق ومن خلال الوثائق الرسمية، تحدد مهام الأستاذ(ة) المصاحب(ة) إجمالا في ما يلي: 

–         المصاحبة المهنية للأستاذات والأساتذة في مختلف المجالات التربوية التي من شأنها تجويد الممارسات الصفية ودعم عمليات التعلم؛

–         مواكبة الممارسات الصفية للخريجين الجدد، وتقديم المساعدة البيداغوجية  والديدكتيكية الممكنة لهم وتسهيل اندماجهم في الحياة المدرسية؛

–         مساعدة الأستاذات والأساتذة  على إيجاد حلول تربوية لمعالجة صعوبات التعلم  لدى التلميذات والتلاميذ المتعثرين(ات)؛

–         اقتراح مواضيع للتكوين المستمر لفائدة الأستاذات والأساتذة على اللجنة الإقليمية لتتبع عملية المصاحبة؛

–         العمل على اقتسام وتبادل الممارسات الجيدة في إطار شبكات للممارسات المهنية بين المصاحبين والمستفيدين من المصاحبة؛

–         تشجيع الأستاذات والأساتذة على تبني ممارسات بيداغوجية تجديدية وتنويع صيغ العمل للتغلب على الصعوبات المتصلة بالعملية التعليمية التعلمية، واستغلال كل ما تتيحه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومختلف التكنولوجيات التربوية، لتجويد الفعل التربوي والارتقاء به، بالإضافة إلى الانفتاح والتعاون مع آباء التلميذات والتلاميذ وأمهاتهم وأوليائهم وشركاء المؤسسة التعليمية.



الأبعاد النفسية، المؤسساتية والقيمية في الجانب العلائقي للمصاحبة:

تربط الأستاذ(ة) المصاحب(ة) علاقة مركبة مع عدة أطراف مرتبطة بعملية المصاحبة. ففيما يخص علاقة المصاحب بالأستاذ المستفيد من المصاحبة، فإنه  يقدم الدعم التربوي والنفسي للأستاذ المستفيد، ويشجعه على استثمار طاقاته ومؤهلاته لإيجاد حلول للمشاكل التي تعترضه. في مقابل ذلك، يبدي الأستاذ المستفيد الرغبة في المصاحبة، ويتهيأ نفسيا لفعل المصاحبة.

أما بالنسبة لعلاقة المصاحب بالمفتش(ة) التربوي(ة)، فقد أريد لها – حسب روح المشروع- أن تنبني على التشاور والتنسيق، إذ يعد الأستاذ(ة) المصاحب(ة) برنامج عمله السنوي بالتنسيق مع بالمفتش(ة) التربوي(ة)، ويتقاسم دوريا معه حصيلة أنشطة  المصاحبة دون أن يتدخل في تقويم أو مراقبة أداء الأساتذة المستفيدين.

و بخصوص علاقة المصاحب بالمدير(ة)، فينبغي أن تكون علاقة تعاونية وتشاركية معه، تساعد المصاحب على بلورة وأجرأة برنامج المصاحبة،  مع إسهام مدير(ة) المؤسسة في تعبئة الموارد البشرية والمادية لأجرأة برنامج المصاحبة، وتوثيق مدير(ة) المؤسسة لأنشطة المصاحبة المنجزة.

أما البعد الآخر من الجانب العلائقي الأستاذ(ة) المصاحب(ة)،  فله ارتباط بلجنة التتبع الاقليمية، من خلال تقديمه لها مشروع برنامج عمله قصد التأشير عليه، ورفعه تقارير دورية بشأن أنشطة المصاحبة إلى لجنة  التتبع الاقليمية مستفيدا من التسهيلات التي تقدمها له. ومن تمة خضوعه لعملية التتبع والتقويم من طرف اللجنة الاقليمية، التي تتولى مواكبة عملية تجريب المصاحبة، وتتكلف بتقديم تقرير تركيبي إلى اللجنتين الجهوية والمركزية.

إشكالات التدبير:

رغم الطموح الذي يبديه المسؤولون عن مشروع المصاحبة، فإن إشكالات متنوعة تواجه تنزيل التدبير على أرض الواقع، نذكر منها:

–         تعثر تنزيل التدبير،  والتصويبات والتعديلات المتكررة التي يشهدها بشكل مستمر منذ أن  شرع في تحديد التصور سنة 2014  وتشكيل خبرة وطنية، إل صياغة عدة تفعيل المصاحبة وتكوين المكونين، ثم انتقاء المصاحبين  وتكوينهم؛

–         تعددية المتدخلين، فهكذا تدبير  تشرف عليه لجنة للقيادة مكونة من المركز الوطني للتجديد التربوي والتجريب، الوحدة المركزية لتكوين الأطر، مديرية المناهج، مديرية مشروع GENIE، مديرية التقويم وتنظيم الحياة المدرسية والتكوينات المشتركة بين الأكاديميات، مديرية الموارد البشرية وتكوين الأطر، مديرية الشؤون القانونية والمنازعات، مديرية منظومة الإعلام، مديرية الاستراتيجية والإحصاء والتخطيط، المديرية المكلفة بمجال التواصل !!!

–         تشابه وضعية الأستاذ(ة) المصاحب(ة) بوضعية الأستاذ المرشد، الأستاذ الكفيل والأستاذ المورد من حيث التطوع، غياب التحفيز الواضح، غياب توصيف واضح للمهام والاختصاصات وحدودها؛ والفشل الذي واجه تلك التجارب؛

–         ضبابية المذكرة الوزارية رقم 134 الصادرة بتاريخ 11 دجنبر  2015 في شأن الأستاذ(ة) المصاحب(ة) بالابتدائي، على مستوى نصف الحصة، التحفيز، الإشراف، علاقة المفتش التربوي بالأستاذ(ة) المصاحب(ة) كمدرس في القسم؛

–         تساؤلات بخصوص مهام الأستاذ(ة)  المصاحب(ة)  في علاقتها بالمفتش التربوي: إذ ورد بالإطار المرجعي للمصاحبة نسخة 10 غشت 2015، ص.15، ما يلي: “يعمل الأستاذ(ة)  المصاحب(ة)  تحت إشراف المفتش التربوي وبتوجيه منه…” فما طبيعة هذا الإشراف والتوجيه في غياب علاقة مهنية وقانونية واضحة بين الطرفين؟ وما سبب حذف هذه العبارة من دليل المصاحبة والتكوين عبر الممارسة نسخة مارس 2016؟

 في حين ورد بدليل نسخة مارس 2016، ص. 11،  ما يلي: “الأستاذ(ة)  المصاحب(ة)  يعمل بتعاون وتنسيق مع المفتش التربوي…”

ليطرح السؤال حول ماهية هذا التعاون والتنسيق وما حدودهما في ظل التطوع من طرف الأستاذ(ة) المصاحب(ة)؟

على سبيل الخاتمة:

مما سبق، يبدو جليا أن المنظومة التربوية تؤدي فاتورة بعض القرارات المتسرعة وغير الملائمة التي اتخذت فيما مضى، فتعثر تجارب الأستاذ المرشد، الأستاذ الكفيل والأستاذ المورد قد يفقد مشروع الأستاذ(ة)  المصاحب(ة) مصداقيته، إلا أن قرار إغلاق مركز تكوين مفتشي التعليم لمدة تجاوزت العقد من الزمن،  يبقى أحد القرارات التي  أثرت سلبا على النظام التعليمي المغربي، والتي أحدثت نقصا حادا في الموارد البشرية داخل هيئة التفتيش، والتي يصعب تداركها بهكذا تدبير : تدبير المصاحبة والتكوين عبر الممارسة !
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-