كلمة السيد رئيس المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في افتتاح أشغال الجلسة التاسعة للمجلس

باسم الله الرحمان الرحيم

حضرات السيدات والسادة أعضاء المجلس،
تلتئم الجمعية العامة لمجلسنا اليوم في دورتها التاسعة، التي تشكل محطة جديدة في سيرورة عمل المجلس، بعد صدور الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، وبعد شروع الحكومة في بداية تطبيقها. كما أنها محطة للوقوف على تقدم الأشغال ذات الصلة بتنفيذ برنامج عمل المجلس لسنتي 2016 و2017.
في هذا الصدد، يمكن التأكيد على أن الرؤية، التي اعتمدت في ماي الماضي، تسير قدما على طريق تقاسمها وتملكها باقتناع من قبل مختلف المؤسسات ومكونات المجتمع وفعالياته، معبئة دعما وانخراطا واسعين، ومحققة خطوات وازنة، تؤشر على سداد ونجاعة اختيارات التغيير التي تتضمنها، وعلى نجاح البرامج التواصلية التي خصها بها المجلس.

ومنذ الدورة السابقة تميزت هذه السيرورة بمحطات دالة من بين أهمها :
◄    المحطة الأولى، وهي الأقوى والأكثر رمزية، تتمثل في إدراج إصلاح المنظومة التربوية، وفق توجهات الرؤية، ضمن جدول أعمال المجلس الوزاري المنعقد، تحت رئاسة جلالة الملك، بمدينة العيون في 6 فبراير 2016.
وأمام حدث تاريخي من هذا الحجم، من حقنا الافتخار بالعمل الذي قمنا به، والاعتزاز بهذه التزكية السامية التي توجت سيرورة طويلة من الإعداد والتداول والتجاوب والتصديق، والتي كرست الطبيعة الاستراتيجية للرؤية في جوهرها وأبعادها الاستشرافية.


◄    أما اللحظة الثانية، فترتبط بالاجتماع المنعقد برئاسة رئيس الحكومة يوم 6 يناير 2016، بحضور 18 وزيرا وبمشاركة رئيس المجلس. وهو اجتماع رفع اللبس عن انخراط الحكومة وعن التزامها بتطبيق الإصلاح، حيث مكن هذا الاجتماع من اتخاذ قرارين في غاية الأهمية :
-    تشكيل لجنة تقنية مكلفة ببلورة مشروع القانون الإطار، الذي أوصت به الرؤية الاستراتيجية وأقره الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش الأخير؛
-    إحداث لجنة وزارية مشتركة تضم وزراء ثمانية عشر قطاعا، تتحدد مهمتها في مواكبة وتتبع تطبيق الإصلاح التربوي المتضمن في الرؤية الاستراتيجية.
    وبعد أيام قليلة على هذا الحدث، وبالضبط في 29 يناير 2016، أعطى رئيس الحكومة، شخصيا، الانطلاقة لأشغال اللجنة التقنية المكلفة ببلورة مشروع القانون الإطار، المشكلة من مستشارين لرئيس الحكومة، ومن الكتاب العامين للقطاعات المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، ومن ممثل عن الأمانة العامة للحكومة، وممثل عن وزارة الاقتصاد والمالية، ومن الأمين العام لمجلسنا. وقد حدد رئيس الحكومة خلال هذا اللقاء مهام هذه اللجنة، كما حصر مدة إنجاز مهمتها في شهرين، ستنقضي خلال الأيام القليلة المقبلة.
    وهنا يجدر التنويه بالوتيرة التي تتسم بها سيرورة تفعيل الرؤية الاستراتيجية، وبانخراط وعزم رئيس الحكومة، وبالعمل الذي تنجزه القطاعات الحكومية المكلفة بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وبالإشتغال الدؤوب من قبل أعضاء هذه اللجنة التقنية من أجل التضمين الشامل لمبادئ الرؤية وتوجهاتها واختياراتها الأساسية في مقتضيات قانونية تتلاءم مع محددات وطبيعة القوانين الإطار، وتؤمن التطبيق المستدام للأهداف التي حددتها هذه الرؤية في المدى الزمني الطويل ، في منأى عن التقلبات السياسية.
    والنتيجة الأساسية التي تبعث اليوم على الأمل تتمثل في الاسترجاع التدريجي لثقة المجتمع في إمكانية إنجاح الإصلاح التربوي، وفي كون الرؤية الاستراتيجية أضحت بالتدريج ملكا لجميع المغاربة، وخارطة طريق لبناء مدرسة العصر، الجديرة بالمشروع المجتمعي المواطن الديموقراطي والتنموي، الذي يتبناه المغرب.
◄    أما ثالث لحظة، فتتصل بالتقدم الذي أحرزته الدراسة حول تمويل المنظومة التربوية، وتمويل إصلاحها، ولاسيما تنويع مصادر التمويل.
في هذا الصدد، وجب التذكير  بأن مجموعة من الخبراء، مكونة من شركاء مختلفين إلى جانب الهيئة الوطنية للتقييم، تشتغل منذ حوالي سنة على هذه المسألة الحساسة والصعبة، وبأن هذه المجموعة واجهت صعوبات عدة مرتبطة بقلة المعلومات والمعطيات الاقتصادية، والمالية والديموغرافية وبمساءلة دقة بعض التوقعات والفرضيات. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأشغال تتقدم، وستتواصل، طبقا لبرنامج عمل المجلس، في إطار اللجنة الدائمة المكلفة بالحكامة. وفور اتمام هذه الدراسة، سيتم تدارسها ومناقشتها في المكتب، وبعد ذلك سيتم التداول بشأنها في الجمعية العامة.
في انتظار ذلك لم يكن مسموحا لنا تفويت فرصة إعداد مشروع القانون-الإطار دون محاولة إدراج الخلاصات ذات الطابع النوعي التي تندرج ضمن توصيات الرؤية، والتي لا علاقة لها بالحسابات والتقديرات والتوقعات الكمية.
لهذه الغاية، تدارست اللجنة الدائمة للحكامة الخلاصات المزمع تضمينها في القانون-الإطار واعتمدتها، ورفعتها إلى المكتب، الذي قرر بعد تدقيقها عرضها على هذه الدورة ، قصد التدارس والمصادقة.
بهذا نكون قد كسبنا الرهان على مستويين:
-    من جهة، من خلال تخصيص الوقت الكافي لمواصلة إنجاز دراسة متأنية ومعمقة حول مسألة التمويل، التي تكتسي درجة عالية من الأهمية والدقة.
-    ومن جهة ثانية، اغتنام الفرصة المتاحة لإدراج المبادئ والتوجهات الكبرى حول مسألة التمويل، في مشروع القانون الإطار الجاري إعداده، في تطابق تام مع ما جاء في الرؤية الاستراتيجية حول موضوع التمويل.

حضرات السيدات والسادة،
علاوة على ما سبق، وضمن نفس السيرورة، وجب التذكير بالأعمال المختلفة التي ينكب عليها المجلس وهيئاته.
    في مقام أول، وخلال الدورة الأخيرة للمجلس، أحدثت الجمعية العامة لجنة مؤقتة تم تكليفها بإعداد مشروع التقرير السنوي عن حصيلة عمل المجلس وآفاقه، طبقا للمادة 5 من القانون المتعلق بالمجلس التي تنص على أن المجلس يعد تقريرا سنويا عن حصيلة وآفاق عمله، يرفع إلى جلالة الملك ويوجه إلى رئيس الحكومة وإلى رئيسي مجلسي البرلمان.
    هذه اللجنة المكونة من 4 أعضاء : عضوان من بين أعضاء المجلس وهما: السيد خالد الصمدي والسيد المحجوب الهبة، ومسؤولان ساميان من الإدارة: السيد عبد اللطيف المودني الأمين العام للمجلس والسيدة بورقية مديرة الهيئة الوطنية للتقييم ، قامت بإنجاز مهمتها في الآجال المحددة، كما ارتأت إعداد  تقريرين عوض تقرير واحد :
-    تقرير وصفي مفصل عن حصيلة وآفاق عمل المجلس، يرصد أنشطة اللجان الدائمة، واللجان المؤقتة، والمكتب، والجمعية العامة وكافة مكونات الجهاز الإداري وفق التسلسل الزمني لإنجازها ؛
-    تقرير تركيبي يتمحور حول التوجهات الكبرى التي تؤطر عمل المجلس، وذلك من خلال الوقوف على تموقعه المؤسساتي، وحصيلة أنشطته، والآفاق المستقبلية لعمله، في ارتباط بأثر وإسهام  كل ذلك في التأهيل المتواصل للمدرسة المغربية.
وبالمناسبة أود من الآن توجيه الشكر لمعدي هذا التقرير على مجهوداتهم والتنويه بجودة العمل الذي تم إنجازه والذي هو معروض على أنظاركم اليوم.
في مقام ثان، تقدمت اللجان الدائمة ومجموعات العمل الخاصة في انجاز أعمالها المدرجة في برنامج عمل المجلس 2016-2017. في هذا الإطار، سنستمع خلال هذه الدورة للسيدات والسادة رؤساء اللجان، الذين سيتقاسمون معنا وضعية تقدم أشغال هذه اللجان والنتائج المرحلية لعملهم.
أما في مقام ثالث، فسيقدم رؤساء مجموعات العمل الخاصة الثلاثة التي تم إحداثها في الدورة الأخيرة، عروضا إخبارية حول توجهات ومنهجيات اشتغالهم على المواضيع التي تهم كل واحدة منها وهي: التعليم الديني، والتعليم الخاص، والتكوين المهني، في اتجاه تعميق وإغناء التوجهات والمقترحات ذات الصلة بهذه المواضيع المتضمنة في الرؤية الاستراتيجية.
وبهذه الوقفة على سير أشغال وأوراش التفكير التي ينكب عليها المجلس وهيئاته، نكون بصدد ترسيخ تقليد يعد من بين أجود الممارسات داخل مجلسنا، بالإضافة إلى كونه يساهم في تقاسم الانشغالات وضمان انسجام أعمال المجلس.

حضرات السيدات والسادة،
في الختام، ونحن نعلن افتتاح أشغال الدورة التاسعة لمجلسنا، فإننا على اقتناع بأن مداولاتنا ستمكننا من تحقيق خطوات إضافية على نفس النهج الذي رسمناه جميعا من أجل خدمة المبادئ الأساسية التي توجه عملنا والتزامنا، وأعني بالطبع الاختيارات الاستراتيجية المتمثلة في تحقيق مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص، ومدرسة الجودة للجميع، ومدرسة الارتقاء بكفايات ومكتسبات المتعلمين وبتفتحهم، ومدرسة الاسهام في التقدم الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لبلادنا.
وإنني لعلى يقين بأننا سننجح في تحقيق هذه الغايات المثلى، بفضل إسهام كل منا بأجود أفكاره وتجاربه الخاصة، وبفضل السير وفق المقاربة التي ما فتئنا ننهجها في مختلف أشغالنا؛ مقاربة إعمال الذكاء الجماعي والحوار الديمقراطي وتبادل الآراء ووجهات النظر بشكل حر وصريح ورصين ومسؤول وبناء. 


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.         


تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-