الفروقات الفردية : مصدرها،تحديدها ،و إمكانيات تطبيقها داخل المدرسة المغربية

من إعداد: جمال بوليفة
إطار إداري

لقد اهتم عامة الناس وخاصتهم بمسألة الفروق الفردية منذ القدم، وما زالت حتى الآن محط اهتمامهم حتى إنها تدخل في الأمثال الشعبية فيقال مثلا:" هذا الشبل من ذلك الأسد".وقد احتكم الجدال بين العلماء حول القضية المعروفة باسم الطبع والتطبيع والتي يمكن صياغتها بشكل أوضح كما يلي:" هل الفروق الملحوظة بين الأفراد في الشخصية والطبع والقدرات المختلفة راجعة إلى أثر الوراثة أم إلى البيئة؟".
وبعبارة  أخرى: ما مصدر الفروق الفردية وما مداها؟ وهل هي فروق في خصائص الناس العميقة؟ أم أنها  فروق في السلوك الظاهري، وفي الأداء؟.
وهل هي قابلة للتعديل؟ إن مثل هذه الأسئلة تتصل بقضايا فلسفية جدلية ويجيب الإنسان عنها بناءا على معتقداته الدينية والاجتماعية والسياسية،غير أن هناك أملا في حل هذه القضية العويصة بالتقريب بين وجهات النظر المختلفة،حيث أن بعض علماء النفس يرون الحل الأمثل هو القيام ببحوث في هذا الشأن لمعالجة الظاهرة، أوبالقيام ببحوث تتظافر فيها مجموعة من العلوم، كعلم النفس والبيولوجيا وعلم الاجتماع والرياضيات....
وأمام تعدد المقاربات البيداغوجية، من جهة والوضعيات الديداكتيكية من جهة أخرى، يجد المرء نفسه حائرا يتساءل: عما هي المقاربة الأكثر انسجاما مع الوضعية التي يصادفها، أو المجال الذي يشتغل فيه، فالمجال المغربي بإكراهاته وخصوصياته، وإمكانياته ورهاناته، يختلف عن جل المقاربات البيداغوجيا المسماة بالحديثة أو الفعالة التي تنتمي إلى مجال آخر يختلف بهذا القدر أو ذاك عن المجال الذي نشتغل فيه، لهذا كان من دواعي إنجاز هذا البحث البيداغوجي ،هو التوصل إلى تدخل تربوي في وضعيات فعلية،وإحداث تطوير وتعديل عليها، وهو بحث كذلك لمواجهة ظاهرة الفشل الدراسي ، و معالجة التعثرالدراسي.
و على هذا الأساس سنتناول في هذا الموضوع المحاور الآتية :
أولا :التعريف بالبيداغوجيا الفارقية أو الفروقات الفردية.
     البيداغوجيا الفارقية من حيث هي مقاربة تربوية تكون فيها الأنشطةالتعليمية- التعلمية وإيقاعاتها مبنية على أساس الفروقات والاختلافات، وفي هذا السياق، تم التمييز بين ثلاثة أنواع من البيداغوجيا المبنية على الاختلاف والتنويع : بيداغوجيا تنويعية، بيداغوجية المداخل المتعددة، بيداغوجيا المسارات.
ثانيا :مرتكزات وأهداف البيداغوجيا الفارقية.
فهي تبنى على أسس نظرية وسياسية، من خلال الإيمان بما يملكه الكائن البشري من إمكانات، ومبدأ تكافؤ الفرص، فلكل فرد الحق في أن يتعلم وفق القدرات والإمكانات التي يملكها، وكذا الأسس العلمية والنظريات الحديثة، فالمتعلم عنصر فعال، ويتولى بنفسه مسؤولية تعلمه.
وتتجلى الأهداف في توعية المتعلمين بقدراتهم وإمكاناتهم، قصد تطويرها وتحويلها إلى كفايات. و تحسين العلاقة بين المدرسين و المتعلمين .
ثالثا:مصدر الفروقات ،تحديدها وتصنيفها
إن مصدر الفروقات الفردية مرتبط بالدرجة الأولى بالجانب البيولوجي الوراثي بالدرجة الأولى، وكيفية انتقال الصفات الوراثية من الآباء غلى الأبناء، ويبقى تأثير المحيط والبيئة كذلك عنصرا مهما، حيث تقوم التربية والتنشئة الاجتماعية والثقافية وتجارب الحياة بدور أساسي.
قد تواجهنا صعوبات عند تحديد الفروقات الفردية، خاصة درجة الذكاء من حيث التعامل مع وضعيات وإيجاد حلول، الأمر الثاني، في كون كثير من الصفات لا تعرف كيف نقيسها، لأن قياس النفس يفتقر إلى وحدات قياس مضبوطة النقطة الأخرى المتعلقة بمداها، فبعض الصفات هي فروق بسيطة، أضف إلى ذلك التنوع الهائل في الإمكانات والطاقات التي يمتلكها الإنسان والتي لا يتحقق منها بواسطة البيئة إلا بنسبة صغيرة.
أنواع الفروقات الفردية بين المتعلمين: فروقات معرفية، وسوسيوثقافية، سيكولوجية.
رابعا:شروط تيسير بيداغوجيا فارقية، المقتضيات، الآليات الإجراءات
ولتيسير بيداغوجية الفروقات يجب العمل في فريق، ثم التشاور، والتدبير المرن لاستعمال الزمن، وأخيرا الإخبار المنتظم للشركاء.
عند العمل مع مجموعات غير متجانسة، يتم تدبير فضاء القسم، بتقسيم التلاميذ إلى مجموعتين أو ثلاث أو أكثر، يتدخل المدرس باتخاذ نمط معين من العمل، انطلاقا من التركيز على الأقوياء، حيث يتعمق التفاوت، لكن الخطر في كون الضعاف لا يستفيدون وعندما يركز عمله على الضعاف، حيث يضيق التفاوت، وقد يشعر الأقوياء بنوع من التهميش والملل.
أما النمط الآخر المعتمد،والمتعلق بالتعليم المندمج، حيث يحصل نفس الاهتمام بالأقوياء والضعاف،حيث يتعمق التفاوت ويستمر لكن الكل يتقدم، وهذا الأسلوب من التعليم يقتضي تنظيما خاصا للقسم والوقت، ومكونات العملية التعليمية وإعادة النظر في تفويج التلاميذ، وتنظيم المحتويات والأنشطة.
تمكن تطبيق البيداغوجيا الفارقية في تدبير الوضعيات التعلمية وفق ثلاث مستويات: تفريق مسارات التعليم والتعلم، وعملية تفريق المهارات، تفريق مضامين التعلم، وأخيرا تفريق البنيات، الذي يتطلب في مرحلة أولى تقسيم المتعلمين إلى جماعات فرعية بناءا على تشخيص أولي يعمد المدرس في بداية السنة الدراسية القيام به لقياس مكتسبات التلاميذ السابق.
خامسا: البيداغوجيا الفارقية، إمكانات وحدود التطبيق داخل المدرسة المغربية.
نلاحظ أن البيداغوجيا الفارقية صالحة لأن تكون بمعية مقاربات بيداغوحية أخرى  لتنفيذ المنهاج الدراسي و تحقيق الكفايات الأساسية ، فهي طريقة تعليمية أكثر إجرائية ومؤهلة أكثر من غيرها لتجاوز مجموعة من الثغرات التي نقف عليها بسهولة داخل المدرسة الابتدائية أو الثانوية.أما إذا أردنا رفع المستوى وتنمية مواهب الجميع إلى أقصى حد ممكن علينا أن نأخذ في عين الاعتبار أن التلاميذ لا يتعلمون بنفس الطريقة ولا بنفس الإيقاع وان ميلوهم وحاجاتهم وطاقاتهم تختلف.
فقد آن الأوان للعمل على توفر في كل مدرسة مشرف مختص في علم النفس والتوجيه التربوي يتابع التلاميذ عن قرب منذ دخولهم غلى المدرسة إلى أن يكملوا مدتهم بها.
والمطلوب أيضا استثمار البحوث التربوية والنفسية المتعلقة بأسباب الفشل الدراسي والعمل على معالجته في مهده، هذا ويتطلب الأمر كله إعادة الاعتبار للمدرس وتحديد تكوينه وتوفير ظروف العمل الملائمة له حتى يتمكن من القيام بمهامه لإنجاح أي مشروع تربوي آو أي تجديد في المدرسة.
إن الآمر ما يزال يحتاج إلى مزيد من البحث والتدقيق لإعطاء الفروق الفردية ما تستحقه من الاهتمام ونرجوا أن يتحقق هذا في المستقبل.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-