الجودة في التعليم الابتدائي .....أين الخلل؟

        يقف المتتبع للشأن التربوي ببلادنا على تناقضات صارخة؛ فمن جهة رصدت الدولة ميزانيات ضخمة للقطاع،ووضعت عدة برامج ومخططات للإصلاح، انطلاقا من الميثاق الوطني بداية الألفية، مرورا بالمخطط الاستعجالي 2009-2012، وصولا إلى الرؤية الاستراتيجية 2015-2030؛ومن جهة أخرى يلاحظ تدني مستوى المتعلمين في الكفايات الأساسية خاصة القراءة و الحساب و هو الشيء الذي تؤكده مختلف الروائز الدولية المعتمدة في هذا الصدد. فاين الخلل؟

       إلى جانب عوائق كثيرة )البنيات التحتية – نقص الموارد البشرية-....( يبرز المنهاج التربوي كأكبر عائق أمام تحقيق الجودة. فإذا كان في جانبه النظري و التأطيري يرتكز على مقاربات جد متقدمة، كالمقاربة بالكفايات)كفايات  تواصلية – كفايات ثقافية – كفايات منهجية – كفايات استراتيجية - كفايات تكنولوجية(وفق بيداغوجيات متنوعة وحديثة،فانه في جانبه المتعلق بالبرامج و المقررات يبقى عقيما نتيجة خضوعه لمنطق تتداخل فيه الايديولوجيات والرؤى السياسية المتعددة و المتناقضة أحيانا. فهذه البرامج و المقررات تحتاج الى كفاءات تربوية ممارسة بالسلك الابتدائي واعية تمام الوعي بالكفايات المستهدفة و بمخرجات هذا السلك التعليمي، و التي تتمحور حول ثلاثة أنشطة أساسية -بغض النظر عن أسماء المواد- وهذه الأنشطة هي القراءة و الكتابة و الحساب. ويتدخل النشاط التواصلي لخلق الانسجام و الاتساق فيما بين هذه الأنشطة الثلاثة.فلماذا حشو محفظة المتعلم بكتب كثيرة وإثقال كاهل الأسرة بمصاريف إضافية؟ أليست لدا القائمين على الشأن التربوي ببلادنا بمختلف هيآتهم الجرأة لإعادة النظر بشكل جذري فيها وتخليصها من براثن سماسرة الوهم؟

        إن نظرة تربوية مجردة و موضوعية في هذا المجال، سوف تقلص هذا الكم الهائل من المقررات. في أفق اعتماد ثلاث مقررات فقط في هذا السلك،وهي: مادة القراءة )باللغات العربية و الامازيغية و الفرنسية( ومادة الكتابة و أخيرا مادة الحساب.وفي هذا الإطار فمادة القراءة من خلال النصوص المقترحة قادرة على استيعاب القيم الدينية و الوطنية والتاريخية، وهي قادرة كذلك على تناول مختلف الموضوعات التي من شأنها أن تجعل المتعلم منفتحا على كل الثقافات والتجارب الإنسانية.فلا مبرر لوجود مادة منفصلة بكتاب منفصل يتطرق فيها المتعلم على سبيل المثال الى استقلال المغرب و أخرى يتطرق فيها الى قيمة حب الوطن و مادة أخرى و بكتاب آخر يرسم فيها المتعلم علم بلاده ويتعرف على مكوناته.... فنص قرائي واحد يمكن أن يحقق كل هذه الأهداف و بشكل اكثر انسجاما و ترابطا.

        تبقى مهارة القراءة مفتاح الجودة بالتعليم الابتدائي فهل يعقل الحديث عن متعلم في نهاية مراحل هذا السلك غير قادر على فك الرموز اللغوية فبالأحرى فهم المضمون و التفاعل معه؟ كثير من الناس يفهمون مهارة القراءة – بمن فيهم بعض الفاعلين التربويين مع الأسف – كنشاط يقتصر على قراءة نص بشكل يتناوب فيه المتعلمون على ذلك في حين أن إكساب المتعلم مهارة القراءة تبدأ بقراءة النص و شرحه و تنتهي عند تفكيك أفكاره و إعادة استثمارها في أنساق جديدة .

بقلم ذ. محمد بلحوس 
أستاذ التعليم الابتدائي- وادي الذهب

تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-