عَدْوى تزيينِ أحياءِ طنجة تنتقلُ إلى مُؤسّساتها التَّعليمية

- دون كيشوط: أنظر يا سانشو..لا تقل لي إن هؤلاء أيضا ليسوا عمالقة؟
- سانشو: سيّد دون كيشوط.. هؤلاء فعلاً عمالقةُ حضارةٍ عريقة!

هذا الحوار بالإسبانية مأخوذٌ من لوحةٍ بديعة رسمها مجموعة تلاميذ مع أستاذهم بثانوية "علاّل الفاسي" بطنجة، يقف فيها الفارس الإسباني الشهير "دون كيشوط" مع رفيقه "سانشو" في مواجهة عدد من المعالم المغربية متسائلا عن "العمالقة" الذين يراهم أمامه، إن كانوا فعلا كذلك أم إنهم، أيضا، مثل الطواحين التي يحاربها.

حوارٌ يُقصد به زرع روح الاعتزاز بالوطن وآثاره ومعالمه في لوحة تُجاورُها لوحاتٌ ورسومات أخرى، وألوانٌ وزخارفُ تملأ عددا من أقسام المؤسسة التي أبدع أساتذتها وتلاميذها في تزيينها وتجميلها بشكل متفرّد.

ويبدو أن عدوى تزيين أحياء طنجة وتجميلها- بعد الصدى الطيّب جدا الذي لقيته- قد انتقلت إلى فضاءات المؤسسات التعليمية بطنجة؛ حيث أصبحت أغلبها عبارة عن لوحات فنّية وبيئية ذات جمالية وتفرُّد.

تجميلُ أقسامٍ ونفُوس

يقول محمد العربي بن العربي، أستاذ اللغة الإسبانية بثانوية علاّل الفاسي، في تصريح لهسبريس: "الحقيقة أن الفكرة راودتني منذ العام الفارط، عندما زارني أستاذ من المعهد الإسباني بطنجة؛ حيث شعرت بأن حالة القسم لم تكن مشرّفة، فاتفقت هذه السنة أنا وتلامذتي أن نقوم بتحويل قسمنا إلى فضاء لائق، وبتعاون منّا جميعا.. وذلك ما كان".

يضيف ابن العربي: "استغرق منا الأمر أسبوعا كاملا، كنا نواصل خلاله العمل أحيانا حتى الساعة التاسعة ليلا، والجميل أن هذا الفعل جعل التلاميذ يكتشفون جانبا لم يكونوا يعرفونه من شخصيتي كما أنني تقرّبت منهم أكثر، فكان للعملية فائدتان: تجميلٌ وتقارب".

ويعقّب التلميذ عمر قصايب، 21 سنة، أولى بكالوريا آداب: "كانت مهمتي الصباغة وإصلاح النوافذ، ولقد غيّرت العملية ككلّ في داخلنا أشياء كثيرة، أصبحنا نشعر بنوع من الارتياح داخل القسم، كما أننا نستوعب أفضل بكثير".

وإن كان الأستاذ ابن العربي فضّل أن يشتغل خارج إطار مسابقةٍ كانت قد نظمتها نيابة التعليم لطنجة- أصيلة في إطار برنامج "مدرستي قيم وإبداع"، فإن أساتذةً آخرينَ اختاروا أن ينخرطوا في المسابقة وجعلوا من أقسامهم، أيضا، لوحاتٍ تحفلُ بأقوال تحفيزية داعية إلى النجاح والتفوق في الدراسة خصوصا، وفي الحياة عموما.

ونحو إعدادية ابن خلدون توجهنا لنكتشف طرقا أخرى في التجميل عبارة عن جداريات وألوان تزخرف جداران الأقسام وأعمدة المؤسسة، قال عنها مدير المؤسسة شوقي حسن: "الحقيقة أن ما قمنا به جاء في إطار برنامج (مدرستي قيم وإبداع) الذي ينظم بشراكة بين نيابة التعليم وولاية الجهة وفيدراليتيْ جمعيات أولياء أمور التلاميذ، وطبعا شارك فيها التلاميذ بحماسٍ منقطع النظير".

ويبدو أن تجميل الجدران والفضاءات انعكس إيجابا على أمور أخرى كنفوس التلاميذ، كشفها لنا شوقي حسن قائلا: "لاحظتُ أن الشغب داخل ساحة المؤسسة قلّ كثيرا، التلاميذ وجدوا أنفسهم في ما قاموا به، اكتشفنا أن هذه الأنشطة المندمجة تغيّر الكثير في تصرفات التلاميذ وشخصياتهم".

ربّما لم يكن الأمر مفاجأة كبيرة بالنسبة لمدير مؤسسة ابن خلدون الذي كشف لنا أنه قضى 6 سنوات من التدريس بالمملكة العربية السعودية، حيث كان لزاما على كل أستاذ أن يقوم باختيار أحد الأقسام ليقضي معه حصة في الأسبوع يناقش فيها مع التلاميذ كل ما يتعلق بحياتهم ومشاكلهم.

وفي كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمنطقة بوخالف، كان المشهد ذا جمالية مختلفة؛ حيث قام الطالبان "زهير" و"المهدي" برسم لوحة ثلاثية الأبعاد فوق أرضية الكلية توحي للناظر لها وللمارّ فوقها أن قدميه ستبتلاّن فورا بالماء الذي يسيلُ بين الصّخور المرسومة.

لنيابة التعليم والمقاطعات نصيب

إطلاق برنامج "مدرستي قيم وإبداع" في 13 فبراير الماضي، زاد من حماس الأساتذة والتلاميذ، خصوصا أن البرنامج يشمل مسابقات في عدة مجالات، كالرسم والتشكيل والبيئة والمسرح والأدب.

كما يهدف البرنامج، بحسب تعريفه الذي تتوفر هسبريس عليه، إلى "تشجيع التلاميذ على المشاركة في إبراز مواهبهم الفنية والرياضية وتحفيزهم على الانخراط الفعال والمبدع في تأثيث وتجميل فضاءات المؤسسة وحجراتها الدراسية".

وتشارك في البرنامج 360 مؤسسة تعليمية عمومية وخصوصية، تم توزيعها على 15 مجموعة لتتبارى فيما بينها في مجالات متعددة.

من جانبها، شاركت بعض المقاطعات بالمدينة في هذه العملية؛ حيث صرّح أحمد الغرابي، رئيس مقاطعة السواني، لهسبريس قائلا: "شاركت المقاطعة في عمليات التزيين هذه من خلال عمليات النظافة وتشذيب الأشجار وحاويات القمامة، كما يشرف طبيب المقاطعة على رشّ بعض المبيدات لقتل الحشرات الضارّة بتلك المؤسسات بشكل منتظم".

ولكن...

هي إذن مجرّد مبادرات وأفكار لأفراد تحولت إلى واقع ملموس في أحياء طنجة، قبل أن تدخل الجمعيات والهيآت على الخطّ لتشارك من جهتها في هذه العملية، ثمّ انتقلت إلى المؤسسات التعليمية، خصوصا بعد أن اتضح للجميع أنّ العملية أتت أكلها فعلا.

عددٌ من سكان طنجة الذين رحّبوا بكل هذه المبادرات، أبدوْا، عموما، تخوّفا من شيءٍ واحد، لخصه لنا (ع.أ)، 39 سنة، من سكان الحيّ الجديد بالقول: "أخشى فعلا أن يذهب كلّ هذا مع انطفاء جذوة الحماس التي كانت مشتعلة منذ أشهر، أعتقد أن الاستمرارية هي كلمة السر في كل هذه الأنشطة والمبادرات التي لا يملك أيّ منا سوى أن يصفق لها".


عن موقع هسبريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-