أساتذة الفلسفة يطالبون الداودي بالتحقيق في "خروقات" مباراة

يسود غضبٌ كبير وسَط أساتذة الفلسفة بكليّة الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة محمد الخامس بالرباط، وذلك بسبب "فرض" أستاذة على شعبة الفلسفة لا تتوفّر فيها شروط تدريس هذه المادّة، حسبَ ما أكّدَ مصدرٌ موثوق، مُضيفا أنَّ هُناك "هجوما على الفلسفة، وإرادة لمحاصرة الفكر الفلسفي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط".

وتعودُ حيثيّات هذا الموضوع إلى سنة 2013، حينَ جرى تخصيص منصب مالي لتوظيف أستاذٍ بشعبة الفلسفة، في إطار اتفاق بين وزارة العالي والنقابة الوطنية للتعليم العالي.

وقال مصدر هسبريس إنَّ "جهات معلومة ومتداخلة الحسابات والمصالح والأهداف عملت على فرض سيّدة على الشعبة بكل وسائل الإغراء والابتزاز والمساومة والتهديد المبطّن أحيانا".

وتقدّمَ للمشاركة في المباراة، بعد اتفاق أعضاء شعبة الفلسفة على أن تُحترم فيها المقاييس المرعية في كلّ مباراة، 11 ملفّا، وتشكّلت لجنة من أساتذة الفلسفة بالكليّة، إضافة إلى أستاذ من خارج جامعة محمد الخامس، وبعد الاجتماع الأوّل لدراسة الملفات، جرى اختيار ثلاثة مرشحين لإجراء المقابلة، واستُبْعدت الملفات التي لا تتوفر على شروط المنافسة على المنصب.

ومن بيْن الملفّات التي جرى استبعادها ملفُّ سيدة قال مصدرنا إنّه كانَ "ضعيفا جدّا، إذ تضمن أطروحة لم يشارك في مناقشتها أستاذ واحد من شعبة الفلسفة، باستثناء المشرف عليها، وحملت عنوان "الطريقة الدرقاوية..."؛ كما تضمن ديوانين شعريين، فضلا عن فقر مثير في الدراسات والممارسات البيداغوجية"، حسب تعبيره.

"لكنَّ المفاجأة هيَ أنَّه بعد مُضيّ سنتيْن على استبعاد ملفّ هذه السيّدة، تعبّأت جهات معروفة من داخل الكليّة ومن خارجها، لفرْضه على شعبة الفلسفة هذه السنة، في إطار عملية "التحويل" التي أطلقتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر، بكل الأساليب والطرق التي لا تحترم أدنى المقاييس المؤسسية والأعراف الجامعية"، يقول المصدر ذاته.

"ورغم أنَّ رئيسَ شعبة الفلسفة الحالي شدّد، بعد إخباره بأنَّ الشعبة ستستفيد من منصبٍ واحدٍ هذه السنة، رغم أنها بحاجة إلى أكثر من منصب، بسبب خروج عدد من الأساتذة إلى التقاعد، (شدّد) على ضرورة عدم تكرار سيناريو مباراة 2013، خاصّة وأنّ الشعبة بحاجة إلى أساتذة تتوفر فيهم شروط التكوين في مجال الفلسفة، والقدرة على تدريس أكثر من مادّة داخل الشعبة، إلّا أنَّ رياحَ المباراة جرتْ بما لا تشتهيه سفينة الأساتذة المرشحين"، حسب المصدر تعبير ذاته.

وأفادَ مصدرنا بأنَّ الإرهاصات الأولى للمباراة "بيّنتْ منذ البداية النيةَ المبيَّتة لفرض ملف محدد، وانتهاك مقتضيات التباري بشكل مفضوح"، كما عدّدَ الخروقات التي طالت المباراة، وأوّلها أنّ الإعلان عن المنصب جرى تحت عنوان "الفلسفة والفكر الإسلامي"، وهو ما يعتبره المتحدث "خرقا سافرا للوائح القانونية لتنظيم الشعب"، موضحا أن "الوارد في النصوص التنظيمية هو "شعبة الفلسفة"، ولا دخل لهذه الشعبة بـ"الفكر الإسلامي"، اللهم إلا ما يتعلّق بـ"الفلسفة الإسلامية"، والشعبة تتوفر على أساتذة متخصصين في هذا المجال، ولهم مؤلفات وأبحاث معروفة"، على حد قوله.

وتُوجّه اتهامات إلى إدارة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط باستبعاد شعبة الفلسفة في تشكيل لجنة المباراة هذه السنة، "وهو ما يشكل تجاوزا لأدوارها، ولو على سبيل التشاور"، يقول المصدر؛ موضحا أنَّه تم الإعلان عن ثلاثة أسماء في البداية ليكونوا أعضاء اللجنة، "لكنَّ المشرفين على العملية تنبّهوا لصعوبة الاطمئنان على "تبعية" بعضهم للإملاءات الجاهزة سلفا"، حسب تعبيره.

وقال المتحدث ذاته: "وكانَ من نتائج ذلك استبعادُ عضوين في شعبة الفلسفة من اللجنة، واقتراح أستاذ آخرَ من الشعبة، مضيفا أنه "لا يتردد في إشهار عدائه للفلسفة بحكم تخصصه في تاريخ العلوم".

ويضيف المتحدث أنَّ "مدبّري العملية ذهبوا إلى غاية مدينة مراكش، وتجاوزوا الجامعات القريبة، لإضافة أستاذ من خارج الجامعة إلى اللجنة"، وأردفَ أنَّ "الهدفَ من القفز على جامعات قريبة، مثل جامعتي القنيطرة والدار البيضاء، هو البحث عن سيّدة على المقاس لتكون لهم عوْنا على إنجاح عملية هاته القرصنة. غيْرَ أنَّ مَجرى الأمور لم يتوقّف عند هذا الحدّ، بلْ تمّ اقتراحُ أستاذ من شعبة الدراسات الإسلامية ليكون عضوا في اللجنة، لأوّل مرة في تاريخ الكلية، بدعوى أن المنصب يدخل في "الفلسفة والفكر الإسلامي"".

"لكنَّ المثير هو أنَّ ملفَّ السيدة التي جرى انتقاؤها في الفرز الأوّل لا يتضمّن سوى بحث عن "الطريقة الدرقاوية"، وديوانيْ شعر"، يقول المصدر؛ مضيفا أن أحد منافسيها يمتلك ملفّا ضخما، وسيرة تربوية مشهودا لها، إذ ألّف ثلاثة كتب في الفلسفة المعاصرة، والفلسفة الإسلامية، وحاز على جائزة محمد أركون الدولية للفكر، ونشرَ عشرات الدراسات في الفلسفة المعاصرة، والفكر العربي المعاصر، تُرجمَ بعضها إلى الألمانية والفرنسية، وحاز على درجة التبريز في تدريس الفلسفة...

وتساءل المصدر: "كيف يمكن لأعضاء اللجنة قبول ملف ضحل، لا علاقة له بشعبة الفلسفة، واستبعاد ملف يتضمن كل عناصر الإقناع، والكفاءة، والأهلية للانتماء إلى شعبة الفلسفة؟ وكيْف يُعقل أنْ يتمّ تفضيل مترشحة لها بحث يتيم عن "الطريقة الدرقاوية"، ويُقصى صاحبَ ملف تدور كل مكوناته البحثية والفكرية عن القضايا التي تُدرس في شعب الفلسفة؟ وكيف يمكن احترام قرار اللجنة وأعضاؤها لم "يحترموا" الشروط الدنيا للنزاهة والكفاءة والالتزام المهني والأخلاقي؟".

وحسبَ المعلومات المتوفرة، فإنَّ أحدَ الأساتذة كانَ عضوا في اللجنة المشرفة على مباراة سنة 2013، وتوافق مع زملائه فيها على استبعاد ملف السيدة المترشحة بسبب ضعفه وعدم ملاءمته لمتطلبات الشعبة، وكانَ ضمن اللجنة المشرفة على مباراة هذه السنة، "فكيف له وعلى أي أساس منطقي ينقلب على ذاته واختياراته ليجيز ملفها هذه المرّة؟"، يتساءل المصدر.

وأفادَ المتحدث ذاته بأنَّ هذه المعطيات مسنودة بملفات وشهادة المرشحين المتضررين، الذين يطالبون مسؤولي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر بالتدخّل العاجل، لإلغاء نتائج المباراة، التي وصفها بـ"الفضيحة المدوّية"، وتعيين لجنة تحقيقٍ لتحديد المسؤوليات التي أفضت إليها، وثالثا لفرض احترام المقتضيات القانونية والمعيارية لتنظيم المباريات.

تجدر الإشارة إلى أننا حاولنا أخذ رأي عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في الموضوع، لكنْ تعذّرَ الاتصال به، إذ رفضت سكرتيرته الخاصّة أنْ تزوّدنا برقم هاتفه الشخصي، بداعي أنّه في عطلة.

عن موقع هسبريس
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-