من الخريطة المدرسية إلى العتبة.. قراران أحلاهما مرّ

سأحاول في هذه المقالة الالتزام بموضوع تدبير "عتبات الانتقال بين المستويات" والتركيز على التعليم الابتدائي بالرغم من أن الحديث عن الانتقال من مستوى أو سلك إلى أعلى يجرّ إلى الحديث عن التقويم الذي يحيل بدوره مباشرة إلى الدعم، وبالرغم من أن نقاش العتبة لا يسبق بحال الكلام عن التقويم والدعم.

لقد راكمت أدبياتنا التربوية، الرسمية وغير الرسمية، ما يكفي من تصورات وتنظير على مستويي التقويم والدعم دون أن يتأجرآ كفاية ويدبّرا بعناية ممكنة، والدليل هو استمرار النزيف الذي ترصده التقارير الوطنية والدولية.


وحتى لا أمارس نقدا مسبقا؛ وحتى لا أنسى أن المطلب القديم المتمثل في تمتيع نساء ورجال التعليم بسلطة الاستقلال باتخاذ قرار الانتقال من عدمه انتفاضا، أحيانا، ضد متعلقات الخريطة المدرسية التي أملتها إكراهات بشرية ولوجستيكية، ويبررها الخيار الاستراتيجي للسياسة التعليمية القاضي بتوفير مقعد وبالاحتفاظ بالمتعلم، بدل تواجده خارج أسوار المدرسة، مهما كانت الظروف (اكتظاظ؛ ضعف المستوى...)، فإني أتساءل تساؤل الحذر مادام الحكم يدور مع علته وجودا وعدما: هل انتفت العلة أو العلل الموجِبة لينتفي معها الحكم، وهل رصدت الآن الوزارة الوصية من الإمكانات ما هو قمين بتدبير اللامتوقع، وهل خلقت مسارات (بصيغة الجمع) مواكبة للمتعلم ونوّعتها؟ وإلاّ تحوّل هذا الأمر أيضا برمته إلى نقاش مبطّن، يضمر أكثر مما يصرح به!


أحيانا، بل غالبا، ما يتملكني، وأنا أستاذ ممارس بالقسم منذ سبع عشرة سنة، بأن من يصنعون القرار التربوي بالبلد لا يشتغلون تماما لصالح المتعلم، أو/وليس لديهم الكفاءات المطلوبة ولاسيما منها التشاورية والإبداعية والجرأة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب. ليكن في علم هؤلاء أن كسلهم الفكري  وعقمهم التربوي قد دفع بثلة من الأساتذة إلى أن تراودهم النوستالجية إلى تجارب قديمة لأحمد بوكماخ وعبد العزيز بغداد وعبد الكريم الشاتي(بلحاج) على سبيل المثال، علما أن المدرسة مطالبة بتفاعل نشيط مع محيطها وبأن تجيب عن كل تساؤلاته، الجديدة والمتجددة، وبرفد الوطن بطاقات مؤهلة؛ وثلة أخرى من الأساتذة تمكنت منها سياسة التيئيس بسبب توالي التجارب والإخفاقات وطال انتظارها فتبرمت من رفع التوصيات وتسللت إليها ثقافة التشكيك والكوباي ودأبت منذئذ على مغادرة قاعات الاجتماع والتكوين كلما احتدّ النقاش؛ وقلة من الأساتذة مازالت صابرة تنتظر.


وحتى لا أنعت بالعدمي؛ وحتى لا أمارس نقدا غير مؤسس، لا يقترح حلولا وبدائل، بالرغم من كوني كغيري أحتلّ مقدمة المسرح وأمارس على الأرض فإنني أقدم أولا تصوري للعتبة والميتا عتبة؛ العتبة مؤشر، بحسب اعتقادي، غير دالّ في كل الأحوال، خدّاع ومضلل أحيانا.


مدرسة الإنصاف وتكافؤ الفرص ليست طوباوية، لكنها عوض أن تتبنى توحيد العتبة سواء في المدرسة الواحدة أو في الجماعة التربوية، الاقتصادية والسوسيو ثقافية الواحدة أو على مستويات أوسع، وما يلي ذلك من صعوبات ويطرحه من إشكاليات على مستوى التنفيذ، المنظومة في غنى عنها، يكفي أن نحدد بدقة المواصفات والمعايير النوعية التي بموجبها ينتقل المتعلم إلى مستوى أو سلك أعلى.


أعطني عتبة وأنا سأحدد وفقها من هم فوق ومن هم دونها. ولهذا أقول: العتبة حمّالة أوجه ومتعددة التأويل. إن تأويل العتبة،كنسبة، يختلف من أستاذ إلى آخر اختلافا ذاتيا وموضوعيا (اعتبار السياق والوسط ومستوى تخاطب الأسر والمستوى العامّ بالفصل الدراسي...). فالانطلاق من اختبارات فردية محروسة، كتابية أو شفهية أو عملية، واختزالها أو تحويلها إلى نقطة عددية يُطلق بمقتضاها حكما على متعلمي أمر بالغ الحيف في غياب المعاملات وعدم توحيد الامتحانات واحتمالية الغش والنفخ في النقط وضبابية التقويم والدعم...


القرار صعب، وأعني ها هنا قرار الانتقال، من عدمه، الخارجي من مستوى أو سلك إلى أعلى. العتبة إذن تدبير خارجي، شأنها في ذلك شأن الخريطة المدرسية، لا تحرم أستاذ التعليم الابتدائي من أن يكون سيد القرار فحسب، بل تجعله كالمستجير من الرمضاء بالنار.


وعليه، يكفي في نظري رسم طيف الأهداف الحاسمة أو مجال التعلمات الأساس أو الكفايات الضرورية (سمّها كما شئت) المتدرج من المنطقة الحرجة وصولا إلى المترفة مرورا بالمتوازنة توازنا ثابتا تبعا للاختلاف الطبيعي في إيقاعات التعلم والقدرات التحصيلية لنموقع عليه كل متعلّم ونتخذ بمعية الآباء والأمهات، أو بالأحرى، نقترح القرار التربوي عليهم.


وفي حال التنافي؟
ذلك موضوع آخر سنناقشه في حينه.

ياسين أبوالهيتم
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-