الطابوهات المسكوت عنها في ازمة التوجيه التربوي المفتعلة !

″طاحت الصومعة، علقوا الحجام″. بهذا المثل المغربي الدارج يمكن وصف الحالة البئيسة التي آلت إليها منظومتنا التربوية - لا يمكن حجب الشمس بالغربال لان التقارير الدولية صارخة جدا! - والتي ومن فرط أمراضها المزمنة، وسرطاناتها الإدارية أصبحت كالذئب الجريح الذي يعوي في كل مكان دون انقطاع، وينقض بوحشية على الخراف التائهة الوديعة من القطيع لينهش أوصالها في مسلسل يشبه إلى حد بعيد قصة الأسد والثيران الثلاثة لكليلة ودمنة.
فمنذ الاستقلال إلى اليوم، تعددت أكباش الفداء وتنوعت من الأشياء إلى الأشخاص فالمفاهيم المجردة...ولا زالت اللائحة مفتوحة إلى اجل غير مسمى، وفي كل مرة يقدم قربان من هذه الاضحيات إلى اله الشر الذي افسد علينا نظامنا التربوي عله يرضى عنا أخيرا.
فبعد اتهام المدرس...التلميذ...المراقبة التربوية...الإدارة...استقر الرأي أخيرا على″ الحيط القصير″...المستشارون في التوجيه التربوي، ليقتص منهم عن كافة الذنوب العظيمة التي اقترفوها في حق هذا النظام التربوي المقدس، وعلى رأس لائحة الاتهام المعدة سلفا :″ الريع التوجيهي !″
ولكي لا يتهمنا زملاؤنا في الوحدة المركزية بالمبالغة أو المزايدة السياسية والنقابية - لان موعد الانتخابات اقترب للأسف الشديد - والذين يعملون في صمت وتكتم كبيرين لإعداد القفص الذهبي الذي سيسجن فيه″ متصوف المنظومة التربوية″ حسب تعبير احد زملاءنا في الميدان، لابد من تقديم بعض المعطيات :
1 - عدد المستشارين بالمغرب حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية الوطنية لسنة 2014 هو 515 مستشارا للتوجيه و 441 مفتشا للتوجيه. أي مستشارا واحدا لكل 3000 تلميذا تقريبا إذا اعتبرنا أن كل قسم به 30 تلميذا فقط.
2 - للمقارنة، فعدد الموظفين العاملين بالمكتب الوطني للإعلام حول الدراسات والمهن ONISEP  بفرنسا والذي أنشئ سنة 1970 يفوق 550 موظفا، دورهم الوحيد هو جعل المعلومة رهن إشارة التلميذ أو الطالب لكي لا يتيه في أدغال النظام التربوي المعقد، وتقدر ميزانية هذا المكتب سنويا ب 40 مليون اورو وهو ما يعادل ميزانية وزارة التربية الوطنية عندنا، ناهيك عن عدد المستشارين في التوجيه -   بدرجة علماء النفس - Conseillers d'Orientation Psychologues  العاملين في الميدان !
لماذا يا ترى كل هذا الاهتمام بالتوجيه بفرنسا مقارنة مع ما يجري حاليا بالمغرب من الحديث عن أزمة التوجيه ؟ ومن طرف زملائنا !
ببساطة لان المعلومة سلطة، ومستقبل التلميذ أو الطالب رهين بهذه المعلومة!
لنعد الآن إلى ما يروج له زملاؤنا من ″الريع التوجيهي″ أمام وزير التربية الوطنية والكاتب العام للوزارة والوزير المنتدب لدى وزير التربية الوطنية المكلف بالتكوين المهني عبر عروضهم ومداخلاتهم كتلاميذ مجتهدين جدا والتي تدور رحاها حول كلمة واحدة : أزمة التوجيه التربوي !
لنعمل الآن التحليل العقلاني في واقع الممارسة الميدانية التي نعايشها جميعا يوميا بعيدا عن القراءات أو التأويلات الذاتية، والتي تكذب هذا المشكل المفتعل - وكلنا نعرف لماذا !- لان الازمة في الحقيقة لا وجود لها فهي لا تعدو ان تكون ″مقولة لها كل ايجابيات التحليق على الحرث النزيه ″ لزملائنا العاملين في الميدان، على حد تعبير الفيلسوف البريطاني، بيرتراند راسل.
 Bertrand Russel "Proposition qui a tous les avantages du vol sur l'honnête labeur "
الذي ينتقد بسخريته المعهودة والممزوجة بمنطق الرياضيات قناصي الفرص الضائعة من الانتهازيين والوصوليين في البحث العلمي في الحقول الإنسانية.
1 - تشهد الصحافة الالكترونية والمكتوبة والمسموعة والمرئية بالإشعاع القوي لأطر التوجيه وطنيا عبر أنشطة متنوعة وناجحة من قوافل إعلامية وملتقيات ومحاضرات وندوات...على مستوى جميع الأكاديميات بالمملكة ويحضرها جمهور عريض من التلاميذ والطلبة والآباء والأمهات الذين يؤرقهم هاجس المستقبل الغامض لأبنائهم. دون اغفال مواقع التوجيه الالكترونية التي تعمل باحترافية ومهنية كبيرتين والتي يشرف عليها اطر التوجيه التربوي.
2 - يعمل جل أطرنا المشرفين على القطاعات المدرسية في غياب شبه تام للحد الأدنى من وسائل العمل - هاتف نقال، شبكة الانترنت، حاسوب، طابعة، جهاز العرض...- وبدون فضاءات خاصة بالتوجيه كما نصت عليه المذكرات الوزارية،وفي حرمان تام من التعويضات الكيلومترية التي ينص عليها قانون الوظيفة العمومية المغربي بخصوص تنقلات موظفي وأعوان الدولة أو سيارات المصلحة التي يستفيد منها غيرهم فقط !
3 - يمارس في سرية تامة من طرف بعض مديري الأكاديميات والمديرين الإقليميين ″ تحرش إداري″ رهيب على الأطر العاملة بالقطاعات المدرسية عبر سلسلة تاريخية  ومتأصلة في جذور السلوك الإداري بالوزارة، من الاستفسارات والمراسلات والإنذارات بل والاقتطاعات من الأجرة لعرقلة تدخلاتهم الميدانية في شطط سافر لاستعمال السلطة وانتهاك صارخ للنظام الأساسي للوزارة والمذكرات المنظمة  لمجال التوجيه التربوي بدعوى″ الريع التوجيهي″ والذي سنشرح ما المقصود به في الفقرات التالية، كل هذا تحت مرأى ومسمع من النقابات التي ابتلعت ألسنتها في تجاهل تام، ربما لان الملف لا مردودية سياسية من ورائه ! على اعتبار العدد القليل للأطر. قلة الأطر، وتوقيف التكوين بمركز التوجيه والتخطيط التربوي لمدة سنتين ثم قبول دفعة من 29 مستشارا في التوجيه التربوي فقط، مفارقة غريبة في ظل سياسة الوزارة في توسيع وتنويع العرض التربوي الذي يضع التلاميذ وأولياء أمورهم أمام معضلة الاختيار وسط شبكة متشعبة من المسالك والشعب الدراسية والتكوينية والمهنية !
4 - يتم زرع الخوف والإحساس بالذنب في صفوف العاملين بالقطاعات المدرسية وشيطنة النقابيين منهم باستعمال - عن علم أم لا- تقنيات ″ صناعة العلاقات العمومية ″ مثل الخطاب المزدوج والرقابة اللصيقة الذاتية، والتي يشرحها بإسهاب كتاب Propaganda لE. Bernays وذلك ل″صناعة الرضا والاستسلام″ للازمة المفتعلة حسب خبير التواصل الأمريكي Walter Lippmann في أفق القبول بالحلول التي يتم إعدادها في الخفاء ودون إشراك للأطر العاملة في الميدان.
باختصار يتم ″ التاطير النفسي للثورة المضادة ″ N.Chomsky, Raison et liberté والإجهاز على جميع المكتسبات والتراكمات لان المستشارين ودائما حسب نفس المرجع ″ تركوا الساحة النقابية فارغة وبالتالي فكل ما تم بناؤه في الماضي سيتم هدمه في أذهان الناس تمهيدا للمشروع الجديد ″ الذي يطبخ في دهاليز الوزارة...بمساعدة من زملائنا مرة أخرى، الذين نصبوا أنفسهم ناطقين رسميين وأوصياء عنا وكأننا المستشارين لم نبلغ بعد سن الرشد المهني !
لنشرح الآن ما المقصود بالريع التوجيهي الذي سيأتي النظام الأساسي الجديد لمحاربته.
يهاجم زملاؤنا محامو النظام التربوي، نقطتين اثنتين يتميز بها عمل هذا الإطار عن غيره إذا استثنينا هيئة التفتيش التربوي التي يتقاطع معها في شكل تدخلاتها.
1 -  البرنامج السنوي، وهو خطة العمل التي يضعها المستشار لتنظيم أنشطة التوجيه التربوي في القطاع المدرسي الذي يشرف عليه حسب الخصوصيات والحاجيات.
2 - أنشطة التوجيه، وهي مجموع التدخلات التي يقوم بها المستشار من مقابلات وحصص إعلام وروائز واستشارات...لفائدة التلاميذ موازاة مع العروض والاجتماعات ومجالس المؤسسة و تاطير الورشات و القيام بدراسات تربوية   والمشاركة في اللجن الإقليمية المختلفة لإقرار الأطر الإدارية من حراس عامين ونظار ومديرين وتكوينهم والاشراف على الامتحانات الاشهادية الوطنية والجهوية.
إليكم المفارقة الثانية : تحول البرنامج السنوي المنصوص عليه في المذكرات المنظمة لمجال الاستشارة والتوجيه بقدرة قادر إلى عامل من عوامل ″الريع التوجيهي″ لان فقراته ″موسمية ″ وبالتالي فهي تفتح الباب على مصراعيه ″ للغياب عن العمل ″ الذي يتم رصده بمجموعة من المراسلات والتقارير الشهرية، ليتم بعد ذلك التحايل على الإحصائيات على طريقة الاقتصاديين الليبراليين - انظر كتاب Les confessions d'un assassin économiques, John. Perkins -
ولي عنق الرياضيات وعلم الإحصاء بطريقة بهلوانية نحو استصدار الحكم النهائي ″ العلمي ″ :
المستشارون في التوجيه موظفون أشباح !
بمعنى آخر، كلما تعلق الأمر بتقييم عمل المستشار، وللتوضيح يتم احتساب فقط عدد ساعات الحصص الإعلامية المنجزة في القطاع المدرسي والتغاضي عمدا عن باقي التدخلات الأخرى التي اشرنا اليها سابقا والتي تشكل 50 % من العمل إن لم يكن أكثر، بنفس منطق تقييم المدرسين وكان التوجيه التربوي مادة دراسية !
أما أنشطة التوجيه، فبعدما ذهبت كل الوسائل المادية والبشرية المرصودة لها في إطار مشروع E3P7 أدراج الرياح، اضطر المستشارون إلى العمل بوسائلهم الخاصة والتنقل على نفقاتهم الخاصة أيضا بين المؤسسات الثانوية الإعدادية والتاهيلية، ستضاف إليها وفي إطار″ توسيع مهام المستشار″ مؤسسات التعليم الابتدائي، بعدما تقرر إدماج التوجيه كمادة دراسية في مقرر السنة السادسة ابتدائي استعدادا للتوجيه المبكر للتلاميذ نحو المسالك المهنية والتكوين المهني. مع العلم أن مقاربة إدماج التوجيه في الأنشطة الصفية قد تم تجريبها في عدد من الدول الأوروبية وكندا منذ الخمسينيات من القرن الماضي ليتم التخلي عنها بعد ذلك في مطلع السبعينيات. انظر أبحاث Pellerano 1988, Witson et al 1998, Guichard 1992, Huteau 1999 . من خلاصة هذه الابحاث ان التوجيه المبكر يتعارض مع فلسفة التوجيه التربوي والتربية على الاختيار كما لا يحترم التطور النفسي والمعرفي والاجتماعي للطفل ويعد انتهاكا صارخا لحق الطفل في تمدرس وتعليم عاديين بعيدا عن الاعتبارات الاقتصادية والسياسية.
فهل اطلع زملاؤنا في الوحدة المركزية على هذه الأبحاث أم أنهم ينظرون من فراغ؟ فالمفروض ممن يتصدى لبلورة المشاريع والتصورات حول مجال معين أن يكون أولا وقبل كل شئ ملما به تمام الإلمام نظريا ثم أن يستحضر الاكراهات الواقعية للممارسة الميدانية قبل التحليق عليه من الأبراج العالية. اضف الى ذلك غياب التجربة المهنية الميدانية - العمل بالقطاعات المدرسية- لهؤلاء، وتلك طامة كبرى!
ولكي تكتمل الصورة فالجانب القانوني لم يسلم أيضا من إبداعات هذه الخبرة المزعومة التي جادت قريحتها بمفردة ″ التوطين ″ وهو مربض الفرس الذي يدور حوله كل ما سبق في مناورات لفظية هدفها الأساس هو القضاء على القيمة المضافة لهذا الإطار ألا وهي الحرية والاستقلالية التي أحدثت هذه النقلة النوعية في خدمة التوجيه وطنيا في العقد الأخير والتي أصبحت تقض على ما يبدو مضجع الكثيرين من ″رهبان الإدارة الجدد″.N.Chomsky والذين لا يهمهم سوى التحكم البيروقراطي في الأطر النشيطة وإخضاعها لنزعة التسلط الدفينة في أعماقهم.وليذهب التلميذ وتوجيهه بعد ذلك إلى الجحيم !
ملاحظة لغوية أخيرة : التوطين اسم مبالغة من وطن يوطن بالتضعيف يفيد الإرغام على الوطن، أي أن المستشارين في التوجيه مشردون تائهون لاجئون لا وطن لهم بل وأكثر من ذلك فهم رافضون لهذا الوطن، لذا يجب إكراههم على هذا الوطن ! فهل هناك جرم اكبر من تجريد الواحد منا من وطنيته ؟ ثم ما علاقة ذلك بالإدارة ؟ وبمشكل التوجيه التربوي المزعوم ؟
 الجواب أظن في رفع دعوى قضائية ضد هذا الاتهام الشنيع المتخفي وراء الرداء القانوني ليقول أهل الاختصاص من المحامين والقضاة كلمتهم أيضا في الموضوع !
كلمة أخيرة أخرى لمن بقي لديهم بعض الحس النقابي من أطرنا :
طاحت الصومعة، غادي اعلقو المستشار! باركا من الهضرة اونوضو دافعو على ريوسكم !

محمد ازرور
رئيس الجمعية المغربية لاطر التوجيه والتخطيط التربوي
فرع سيدي افني
 
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-