مذكرات أستاذ - ج 6 : لقد أصبحت معلما !

بقلم رحال امانوز .

لن أنسى ما حييت أول يوم في حياتي المهنية . مازال عالقا بذاكرتي وكأنه بالأمس فقط . هناك أحداث تبقى عالقة بذاكرة الإنسان أبدالدهر. لقد أصبحت معلما أي موظفا مع المخزن . سرى الخبر كالنار في الهشيم . بين جيران الحي الشعبي جوادي . وفي أوساط عائلتي القريبة والبعيدة . تغيرت نظرة الجميع تجاهي . أصبحت لدي مكانة داخل المجتمع . سأحاسب على كل قول أو فعل . وستوكل إلي مهمة تربية وتعليم الأجيال . أحسست بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقي . وأنا في الحادية والعشرين من العمر.وضعيتي الإدارية تصنفني كمعلم متدرب لازلت أتقاضى مبلغ 1000 درهم شهريا كمنحة . سأصبح معلما رسميا مرتبا في الرتبة الثانية من السلم الثامن . بعد قضاء سنة من العمل والحصول على تزكية المديرونقطة المفتش . وكذا بعد الخضوع لفحص طبي بمستشفى عمومي يثبت سلا متي من الأمراض . لتضاف 350 درهما أخري لراتبي ليصبح 1350 درهما .

نزلت من الكرويلة التي أقلتني من مركز خميس مديونة . بعدما غادرت سيارة الأجرة التي حملتني من المدينة . أنا الآن أمام المدرسة الفرعية سيدي إبراهيم . ليس هناك ما يدل على أنها مدرسة لا إسم ولا علم ولاإدارة . سورقصيريحيط بعدة حجرات دراسية من البناء المفكك . إجتزت ما يشبه الباب الرئيسي للمؤسسة . على يمين الداخل بئرتعلوها دلو . بجانبها سكن قروي أمامه فرن لطهي الخبز . ما يشبه الساحة تؤثثه أشجاركلبتوس باسقة . إستقبلني المسؤول عن الفرعية فهومعلم ينوب عن المدير . أخذني إلى أحد الأقسام وقدمني إلى تلاميذي ثم إنصرف . جلست في مكتب يعلوه الغباروعلى كرسي متهالك ألقيت بجسدي . نظرات الأطفال من الجنسين تتفحصني بعناية فائقة . سرت همهمات مكتومة بين التلاميذ . خفت أن تتحول إلى شغب وتنفلت الأمور من زمام يدي . قلت مع نفسي : " نهارالأول يموت المش " . إرتفع صوتي مجلجلا في قاعة الدرس : قيام . بعد قيامهم أمرتهم قائلا جلوس . ثم حاولت شد إنتباههم قائلا مرة أخرى : إنتباه . جلست بمكتبي ووضعت لائحة أسمائهم أمامي. وبدأت أنادي بأسمائهم واحدا تلو الآخر . بغية التعرف عليهم عن قرب . 

لاحظت أن جلهم يمتهن آباؤهم الفلاحة . وأقلية تحترف بيع اللبن بالمدينة أويعملون بمقلع الحجارة . لاحظت أن أغلبهم يقطنون بدوارالحارث . أغلب الأطفال يحملون نفس الإسم العائلي . أما التكرارفيدل عليه كبرهم وطول قاماتهم . بعد إنتهاء الحصة الصباحية هرول الأطفال نحوالمطعم . يتدافعون للحصول على وجبة الغداء . 

خبزوعدس ساخن يذهب الجوع ويزودهم بالطاقة اللازمة لمجابهة د روس الحصة المسائية . أغلب التلاميذ يقضون فترة الزوال بساحة المدرسة . يلعبون ويتعاركون وينجزون واجباتهم الدراسية . أما أنا فتوجهت نحوقاعة المعلمين المجاورة للمطعم المدرسي . حيث الإستراحة من عناء العمل وتناول وجبة الغذاء .
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-