بيان المؤتمر الوطني التاسع للنقابة الوطنية للتعليم المنعقد ببوزنيقة

المؤتمر الوطني التاسع للنقابة الوطنية للتعليم المنعقد ببوزنيقة ، أيام 15-16-17 يناير 2016. تحت شعار : غياب الإرادة السياسية لدى الدولة لإصلاح التعليم يفرض مواصلة النضال من أجل :

- مدرسة عمومية ديمقراطية ترسخ قيم العقل والحرية والتسامح ؛
- صيانة مكتسبات الشغيلة التعليمية وتحقيق مطالبها.

عقدت النقابة الوطنية للتعليم المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل مؤتمرها التاسع أيام 15-16 و17 يناير 2016 ببوزنيقة، في سياق دولي وعربي ووطني بالغ التعقيد سماته العامة الهجوم الإمبريالي على حقوق الشعوب، وتفكيك مكونات هوياتها الوطنية والإقيليمة، واستغلال ثرواتها، والمس بأمنها واستقرارها، مثلما يجري في الوطن العربي وفي قلبه فلسطين التي تواجه الاحتلال الصهيوني العنصري بصمود وتحد في ظل عربي ممزق ومخترق وفاقد للمرجعية الفكرية والسياسية الكفيلة بمعالجة قضاياه، ووطنيا فإن المغرب اليوم يعيش على إيقاع أعطاب بنيوية مست كافة المجالات والحقول الوطنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومرد ذلك الاختيارات السياسية اللاشعبية واللاديمقراطية التي تبنتها الدولة المغربية منذ الاستقلال إلى الآن، والتي تؤكد استمرار نهج أسلوب الاستبداد وامتداده في الحياة العامة عنوانه التحكم وطغيان الهاجس الأمني، مما يؤكد أن المجتمع المغربي لازال يرزح تحت وطأة الدولة اللاديمقراطية .

إن هذا النهج الانفرادي التحكمي هو ما جعل الدولة ترتكب خطأين تاريخيين في حق الشعب المغربي وفي حق ذاتها :

1- يتعلق الخطأ التاريخي الأول بإهمالها الممنهج للتربية والتعليم بما يعنيه ذلك من تبخيس للإنسان المغربي كيانا وهوية وثقافة وحضارة ؛

2- والخطأ التاريخي الثاني هو المتمثل في التفريط في الأرض أولا، وفي عدم استكمال التحرير ثانيا، لقد فرطت الدولة في الأرض في شرق المغرب وشماله، فالأرض لا يفرط فيها لأنها تشكل ركنا من أركان الذات الوطنية والهوية الحضارية المغربية، ودبرت ملف الصحراء المغربية بشكل انفرادي باعتماد المقاربة الأمنية المبنية على آلية التحكم التي جعلت ملف القضية الوطنية لازال يخضع لمزايدات أعداء الوحدة الترابية ومناوراتهم. وفي سياق استكمال تحرير الأرض فإنه لم يعد من المقبول ولا المعقول أن تظل الأرض المغربية في سبتة ومليلية والجزر التابعة لهما خاضعة للاحتلال الاسباني دون أن تقوم الدولة بصياغة تصور وخطة عمل للمطالبة بتحريرها ؛

وبخصوص قضية التربية والتعليم فإن المؤتمر الوطني التاسع وقف على حجم الهجوم الحكومي على الوضع الاعتباري للمدرسة العمومية، وعلى مكاسب نساء ورجال التعليم بكل فئاتهم في الوقت الذي يقوم البعض بتحميل نساء ورجال التعليم مسؤولية الوضع الحالي لقطاع التربية والتعليم، وهو في الواقع تعبير موضوعي عن بؤس فكري فظيع يندرج في إطار التوجه الرامي إلى التخلص من المدرسة العمومية باعتبارها ركيزة أساسية للتنمية البشرية، فرئيس الحكومة لا ينفك يردد أن الدولة المغربية ينبغي أن ترفع يدها عن التعليم لأنه في نظره يشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة استجابة لإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي في سياق اقتصاد السوق الذي حول التربية والتعليم إلى سلعة خاضعة لمنطق الربح عبر تشجيع خصخصة التعليم ومؤسساته، وفصل التكوين عن التوظيف ؛

إن المسؤولية التاريخية للدولة ثابتة بخصوص ما جرى ويجري بقطاع التربية والتعليم، وبالعودة إلى الخطابات الرسمية للدولة منذ الستينات من القرن الماضي في موضوع التعليم يتضح كيف تعامل النظام السياسي مع المدرسة الوطنية العمومية وفق استراتيجية العامة القاضية بضبط المجتمع والتحكم في آلياته وحركيته، والسؤال المنطقي والمشروع الذي يفرض نفسه بوضوح هو : هل الدولة عاجزة في الإصلاح ؟

إن جوهر القضية، في قناعة المؤتمر الوطني التاسع، يكمن في غياب الإرادة السياسية لدى الدولة لإصلاح التعليم، ذلك أن الإرادة السياسية ليست خطابا يتلى على مسامع المغاربة وليست نوايا معلنة ومعبرا عنها، بل هي اختيارات سياسية واضحة تجد ترجمتها على أرض الواقع تضمن تنمية وتطور البلاد وحق أبنائها في ولوج مجتمع المعرفة في إطار تكافؤ حقيقي للفرص؛

إن المؤتمر الوطني التاسع يعتبر أن التعليم يعيش أزمة بنيوية مركبة. وأن كل مشاريع الإصلاح المعلنة باءت بالفشل لأن سلطة السيادة لها مخطط سياسي يهدف إلى ضبط المجتمع؛ فالتربية والتعليم من أساسيات بناء السلطة، ومن أساسيات استمرار النظام السياسي، إذ العلاقة بين السلطة السياسية والسلطة التربوية قوية، فالمدرسة التي أنتجت نخبة من حركة اليسار السياسي المعارض مرفوضة، والمدرسة العمومية التي أنتجت النخب المتنورة التي تطرح عمق سؤال التنمية ودمقرطة الدولة والمجتمع يجب بالضرورة- في منطق الدولة- مراجعتها وضبط حركيتها الداخلية في إنتاج وتعميم المعرفة، لأن أمن الدولة حسب منطق التحكم يسمو على كل اعتبار، وعليه، ألا يمكن اعتبار هذا المنطق مسؤولا عن فتح المجال للفكر اللاعقلاني الذي هيأ أرضية خصبة لبروز بعض ظواهر التطرف اليوم والتي يعتبر الدين الإسلامي بريئا منها؟

بناء على كل ما سبق فإن المؤتمر الوطني التاسع:

1- يدين المخطط الامبريالي الصهيوني القائم على التفكيك وإعادة رسم الخريطة الجغرافية السياسية والاقتصادية للدول وتدمير حضارتها بما يخدم مصالح الليبرالية المتوحشة؛

2- يدين ما يتعرض له الشعب الفلسطيني الصامد من تقتيل وتنكيل وحصار، ويعتبره من أكبر الجرائم التي عرفتها الإنسانية في الزمن المعاصر، في ظل تواطؤ دولي وعربي مريب للمركب الامبريالي الصهيوني الرجعي الذي يرمي إلى محو القضية الفلسطينية من الذاكرة العربية والإنسانية الحية؛

3- يحمل الدولة المسؤولية الكاملة في عدم استكمال الوحدة الترابية في إطار رؤية شمولية تستحضر وتروم تحقيق وحدة المغرب الكبير، وعدم اعتماد مقاربة اجتماعية مندمجة يكون محورها الإنسان بناء على تصور ديمقراطي تنموي يضمن الحقوق لكافة المواطنين. كما يدعو الدولة الجزائرية إلى التخلي عن أطروحاتها اللاتاريخية في تعاطيها مع قضية الصحراء المغربية، ويعبر عن استعداد الشغيلة التعليمية في ارتباطها العضوي مع الطبقة العاملة والشعب المغربي لمواجهة كل الاحتمالات تحصينا للوحدة الترابية ودفاعا عنها؛

4- يرفض بقوة منطق التحكم الاستبدادي الممنهج الذي تسلكه الدولة في تدبير شؤون البلاد، والذي يتناقض مع شعارات المجتمع الديمقراطي الحداثي، ويدين التجاهل الحكومي لمطالب الشعب المغربي في حفظ كرامته، وصون مكتسباته، إرضاء للمؤسسات المالية الدولية وتكريسا للاستبداد ورعاية للفساد والمفسدين؛

5- يدين بقوة تجاهل الحكومة لنضالات التي تقودها المركزيات النقابية الأربع الأكثر تمثيلية في المغرب، وهو أسلوب سياسي ممنهج قد يقود المغرب إلى مالا تحمد عقباه، ويعبر عن تضامنه المطلق وغير المشروط مع نضالات الطبقة العاملة وعموم الأجراء، وكذا مع كل الجمعيات الحقوقية المناضلة، وخاصة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المستهدفة بالأساس من الدولة والحكومة، مستنكرا تجاهل الحكومة لنداءاتها المتكررة، ورفضها معالجة الملفات المطلبية للطبقة العاملة عبر تفاوض جماعي مسؤول ومنتج، كما يدين محاولات إجهاز الحكومة على مكتسبات الشغيلة المغربية في التقاعد، والوظيفة العمومية، والترقية، وضرب القدرة الشرائية، والحق في الإضراب...، كما يشجب بقوة العنف المادي والمعنوي الممارس ضد المسؤولين النقابيين وتلفيق التهم المجانية لهم بشكل غير مسبوق (حالة الكاتب الإقليمي للكدش بأكادير)؛

6- يؤكد أن الإصلاح التربوي والتعليمي الشامل؛ مناهج وبرامج وغايات وأهدافا... ضرورة تاريخية ووطنية ملحة غير قابلة للإرجاء أو التأجيل في ظل التحديات الكونية المطروحة على الجميع ؛ دولة وحكومة وأحزابا ونقابات ومجتمعا مدنيا، وعلى الدولة بدءا وختاما أن تتحمل مسؤوليتها كاملة في توفير تربية وتعليم مجاني وجيد لكل بنات وأبناء الوطن بالشكل الذي يصون الهوية الوطنية في أبعادها اللغوية والثقافية والحضارية، ويبني الإنسان المغربي المنفتح على الحداثة ومجتمع المعرفة؛

7- يطالب بضرورة الكشف عن تفاصيل نتائج افتحاص البرنامج الاستعجالي ومحاسبة المسؤولين عن هدر المال وهدر زمن الإصلاح وإرساء مبدأ عدم الإفلات من العقاب ؛

8- يؤكد المؤتمر بخصوص المجانية بأن كل مخطط يرمي الى الإجهاز على المجانية فهو في جوهره إجهاز على الحق في ولوج التعليم بالنسبة لأبناء الشعب المغربي ويكرس الهدر المدرسي، ويعمق مآسي الشعب ومعاناته في حق أبنائه، وإذا كانت معضلة التمويل مطروحة فإن المؤتمر الوطني يقترح:

أولا : ترشيد المواد المالية الحالية وتدبيرها بشكل عقلاني.

ثانيا : إحداث ضريبة على الثروة لفائدة تمويل التعليم.

ثالثا : أن تخصص المبالغ المالية المستخلصة من صندوق المقاصة إلى التربية والتعليم.

رابعا : إحداث قانون إطار ينص على تحديد نسب مائوية لبعض المؤسسات الكبرى للمساهمة في تمويل التعليم : الفوسفاط- الأبناك- المعادن – الفلاحة الكبرى- قطاع الاتصالات ، وشركات التأمين الكبرى.

9- يطالب بتدريس اللغة الامازيغية في جميع الأسلاك إسوة بالغة العربية باعتبارها لغة رسمية ومكونا من مكونات الهوية المغربية متعددة الأبعاد؛

10-يعتبر أن رهان التنمية الحقيقي القائم على الاستثمار الجيد للرأسمال البشري، لا يمكن أن يتم إلا عبر مدرسة عمومية وطنية مجانية كفيلة بإرساء دعائم الفكر العقلاني، وقيم التسامح والحرية، لكونها الفضاء الأنسب لتعميم المعرفة وضمان تكافؤ الفرص بين جميع أبناء الشرائح الاجتماعية ؛

11- يندد بشدة بمسلسل الإجهاز على حقوق ومكتسبات نساء ورجال التعليم بكل فئاتهم، كما يدين بقوة الهجوم الشرس والمتواتر الذي يتعرض له الأساتذة المتدربون في أكثر من مدينة وإقليم لأنهم طالبوا بحقهم في إسقاط المرسومين القاضيين بفصل التوظيف عن التكوين وتخفيض المنحة إلى أقل من النصف، ويطالب بإشراكهم في كل ما يتعلق بهذا الملف ؛

12- يدعو إلى جبهة نقابية تعليمية في أفق بناء جبهة وطنية لإنقاذ المدرسة العمومية لمواجهة مخطط تدميرها وتفكيكها ومقاومة تسليع التربية والتعليم، ومواصلة النضال من أجل تعليم عمومي جيد ومجاني للجميع، والاستجابة للمطالب المادية والمعنوية العادلة والمشروعة للشغيلة التعليمية ؛

13- إن الأزمة التي يتخبط فيها قطاع التربية والتعليم، والهجوم على الحقوق والمكتسبات، وتبخيس مهنة التدريس، يستوجب مواصلة النضال لمواجهة هذا الوضع، لذا فإن المؤتمر يدعو الشغيلة التعليمية إلى التعبئة المستمرة للقيام بالمهام النضالية المطروحة على النقابة الوطنية للتعليم وعلى الشغيلة التعليمية بشكل عام.

عاشت الكونفدرالية الديمقراطية للشغل
عاشت النقابة الوطنية للتعليم
عاشت الشغيلة التعليمية

بوزنيقة أيام 15-16-17 يناير 2016
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-