لله ذر الأقسام المشتركة، بدأت بالمعلم قبل التعليم فأهلكته.

الادريسي عبد الكريم
أستاذ التعليم الابتدائي


لقد كثر اللغط في الآونة الاخيرة حول ما اصطلح عليه  بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح  من أجل مدرسة الإنصاف و الجودة و الارتقاء، و التي جاءت كخطوة جديدة لإحياء منظومة التربية و التكوين،  في محاولة لبناء مدرسة رائدة و منفتحة على عالم المعرفة و الابتكار و التواصل و تأهيل و تيسير الاندماج الاجتماعي للمتعلم و الارتقاء الفردي و المجتمعي و غيرها من الأهداف السامية التي تؤثث التصور الذي  رسمه المجلس الأعلى للتعليم على أنقاض التقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي أعدته اللجنة الدائمة للمجلس.

 إن أمعننا النظر في مضمون هذه الرؤية الاستراتيجية، ستتضح جليا ثغرات عميقة قد تضرب كل محاولات الإصلاح عرض الحائط، فهو تصور يفتقر لمبدأ الشمولية التي اعتبرها من الأسس و الدعامات الأساسية  للرؤية. فمن الغباء المفرط الانهماك في سد ثغرات صغيرة و الاعراض عن ثغرة كبيرة تحتل حيزا مهما في منظومتنا التربوية. إنها ظاهرة الاقسام المشتركة او الأقسام متعددة المستويات.


إليك عزيزي القارئ معلومات تهم العالم القروي و الاقسام المشتركة  بها، قد توضح  لك عدم جدوى الاصلاح المنشود في  تحسين ترتيب منظومتنا التربوية ضمن التصنيف العالمي  للتربية و التعليم:


 تمثل المدارس المغربية بالعالم القروي ما نسبته 54 بالمئة من مجموع المدارس بجميع أرباع البلاد حسب إحصائيات وزارة التربية الوطنية.


يبلغ عد الأقسام المشتركة بالمغرب 28740 قسما، منها 27898 قسما مشتركا بالعالم القروي أي بنسبة تناهز 21,6 بالمائة من مجموع الأقسام بالمدرسة المغربية.
إنها أرقام مهولة و مخيفة، فأكثر من نصف المدارس المغربية توجد بالعالم القروي، و النسبة المهمة منها عبارة عن اقسام مشتركة... فكيف يمكننا الحديث عن إصلاح شامل للمنظومة التربوية  دون تخصيص إصلاح مركز و فاعل للمدرسة القروية؟؟؟ إنها محاولات أشبه " بسكب الماء على الرمل".


إن من العار أن لا يجد أساتذة الأقسام المشتركة دليلا عمليا يساعدهم في فك بعض شفراته و الاستئناس به في تدبير الفصل، اللهم ذلك '' الدليل العلمي''  الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية  في تسعينيات القرن الماضي،  في إطار التدريس بالأهداف. كما أن عدم اكتراث الوزارة لهذه الظاهرة ، جمد طلبات الأساتذة بإصدار مقرر خاص بالأقسام متعددة المستويات، التي أثقلت كاهل الأساتذة و أصابت جلهم بأمراض نفسية و عصبية جراء المجهود المضاعف الذي يبذله داخل الفصل لبناء المعارف مع كل مستوى دراسي، و تزداد الأمور سوءا عندما يتم ضم جميع المستويات في قسم واحد يدرسه أستاذ واحد. و هنا يقف حمار الشيخ في العقبة. 


لدى، لا عجب في أن المغرب يتربع في عرش الدول المتخلفة في التربية و  التعليم، فسياسته الاصلاحية تتمركز في المناطق الحضرية و شبه الحضرية ، على حساب النصف الاخر المتمركز في الجنوب و وسط البلاد. بل إن المغرب سيعرف قفزة نوعية في مجال التعليم إذا انصب اهتمامه الى حل أفة الأقسام المشتركة بالخصوص و مداس العالم القروي بصفة عامة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-