العلاقة المستحيلة بين تكوين الإنسان المغربي والتربية الفنية

المصطفى المودني  
 
رصد لأشكال هذه العلاقة من خلال ماطرحته مستجدات الساحة  التربوية من تدابير أولية.
ثاثير المقاربة العلمية  والهندسية الضيقة للتربية على الاهتمام بالتجربة الإنسانية في عمقها الفني والرمزي وكأن ملمحنا هو تكوين روبوطات تحسب، تكتب و تقرا.


تتكون الحساسية الفنية لدى المتعلمين منذ البدايات الأولى لمراحل تعلمهم، وبالطبع  فالمدرسة والتكوين هما ضامنا استمراريتها  وبقائها من أجل بناء مجتمع راق.
اعتمدت المناهج التعليمية المغربية التربية الفنية كمادة استمدت مشروعيتها من خلال الميثاق الوطني للتربية والتعليم بالرغم مما شابها من إهمال على مستوى التفعيل؛ فعلى سبيل المثال اتخد مكون التربية التشكيلية مسارا من الابتدائي إلى التاهيلي اعتمد فيه بناء التعلمات من الجزئي البسيط إلى المركب ، من النقطة والخطوط والعناصر التشكيلية إلى التصميم والديزاين، ودائما كانت المدرسة الحاضن الشرعي لهذه المادة، إلى أن جاءت هذه التدابير الأولية والتى أحدثت نوعا من  الالتباس والغموض، يجعلنا في حيرة من  أمر الأجندات التي أملت الفصل بين المواد، منها ماهو أساسي كاللغة والحساب( الرياضيات  سقطت سهوا) والكتابة من جهة وهي من اختصاص المدرسة العمومية، والكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي التي ستصبح من اختصاص مؤسسات  أخرى"الهدف منها تحفيز التفتح واليقظة عند التلاميذ وتشجيعهم على إبراز مواهبهم". الكفاية العرضانية la compétence transversale حسب ماهو متعارف عليه تتميز بقابلية الاستعمال في مجموعة من التخصصات، وتكون صياغتها بشكل عام ومجرد، وسياق تعلمها ذريعة، نقول مثلا القدرة على التحليل ، التفكير الإبداعي ، القدرة على التنظيم…هذه كلها من المفروض أن تصاحب مختلف أنواع التعلمات في المدرسة بل إن التربية الفنية في جانبها اللعبي والإبداعي من الطرق التعليمية التعلمية الجد مناسبة والمساعدة على تحبيب المدرسة للمتعلمين، فكيف يعقل فصلها عن المدرسة وتهريبها الى مؤسسات اخرى ، قيل :
"إعطاء تلاميذ ينتمون لمنطقة مدرسية تضم مؤسسات تعليمية متواجدة بحي واحد أو أكثر، فرصة الولوج إلى أنشطة ثقافية ورياضية وفنية عبر الاستعمال المشترك للموارد من خلال تجميعها في مؤسسة واحدة. " أما تلاميذ الدواوير والفرعيات فليتدبروا أمرهم، ناهيك على صعوبة واستحالة إمكانيات تنقل أبناء المدن بين الأحياء لحضور الدرس الفني. وللنتظر أيضا طرق اختيار  وانتقاء من سيقوم بمهام التأطير والتكوين بهذه المراكز وماهي أنواع الكفاءات ومواصفاتها، وتلك الشفافية  التي  تعودناها في مثل هذه الإجراءات…
السياسة  الفنية والثقافية  شأن وطني الكل يعرف أهميته ولكن ليس الجميع متفق على نفس الفهم، إن هذا المسار الذي سيتخذ تجاه التربية الفنية سيزيد وبدون شك من علاقة التوتر وسيرسخ تمثلات الاستخفاف بتربية الذوق وترسيخ القيم الجمالية لدى المتعلم(ة) المغربي، كما سيجهز على التراكمات  التربوية الفنية السابقة بدل تنقيحها ودعمها.
إن للتربية الفنية القدرة على تشكيل عوالم الحضارة، والحفاظ على الهوية الثقافية الخاصة مع الانفتاح على الآخر، والقابلية على تكوين المواطن الحيوي والمتسامح ، إنها عامل تقارب بين أطراف الإنسانية جمعاء وطريق بناء مستقبل واعد.
وفي الأخير لا يسعنا إلا أن نبدي أسفنا على إهمال الفنون والإبداع، والإجهاز على ماتم تحقيقه سابقا، وما حصل من إغلاق لشعب التربية الموسيقية ، والتربية التشكيلية بمراكز التكوين، بالإضافة الى تقليص حصص التربية الفنية في التعليم الابتدائي فقد كانت في  الثمانينات  تدرس تقريبا 45 دقيقة يوميا، تقلصت بعد ذلك إلى أن وصلت اليوم وحسب المشروع المقترح والذي ستتبناه الوزارة إلى 50 دقيقة في الأسبوع، هذا كله دليل على فهم ضيق للقيم  ومنها الجمالية بالخصوص.

(من خلال قراءة للتدابير الأولية، المحور4 الكفاءات العرضانية والتفتح الذاتي )
المصطفى المودني
أستاذ مكون بالمركز الجهوي لمهن التربية والتكوين
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-