إصلاح التعليم بالتيمم بقلم رشيد نيني

رشيد نيني

أمام عجزه الواضح عن معالجة ملف التعليم العمومي، سواء الأساسي أو العالي، لجأ الحزب الحاكم إلى طريقة «التقلاز من تحت الجلابة».
وقد ظهر ذلك بوضوح عندما نادت منظمة التجديد الطلابي التابعة للحزب الحاكم، إلى تنظيم وقفة أمام البرلمان احتجاجا على أوضاع الجامعة، علما أن الجامعات يتحمل مسؤوليتها وزير من العدالة والتنمية هو لحسن الداودي، يقضي وقته في مغازلة نقابة أساتذة التعليم العالي بملف الترقيات.
أما وزارة التربية والتعليم التي يقودها التكنوقراطي رشيد بلمختار، فقد سلط عليه الحزب الحاكم منظمة «الائتلاف الوطني للغة العربية» التي يقودها ناشط بحزب العدالة والتنمية، طالب الوزير بتقديم استقالته بسبب رفضه الحديث بالعربية لصحافية فرنسية بحجة أنه يجهل الحديث بهذه اللغة.
وهكذا فقد أصبح الحزب الحاكم يقود الأغلبية الحكومية ويقود المعارضة أيضا، وكلما أراد أن «ينغز» أحد وزراء حكومته يسلط عليه أذرعه الشبابية والجمعوية والدعوية.
والواقع أن الحديث عن التعليم العمومي أصبح كالحديث عن المرض المزمن، إذ لا تكاد تمر بضع سنين، لا تتعدى الثلاث في أحسن الأحوال حتى يتجدد الكلام عن الأزمة. فمع بداية الألفية ولكي لا نعود للوراء كثيرا، ساد الاعتقاد بأن أول ميثاق وطني للتربية والتكوين سينهض بواقع هذه الخدمة العمومية التي تمول من المال العام من أجل خلق ثروة  مادية  أو غير مادية متعلقة بتنمية المجال الثقافي عموما.
إلا أنه وقبل الوصول إلى منتصف العشرية، انطلقت منتديات للإصلاح وتبعها التقرير الصادم للمجلس الأعلى للتعليم عن حالة المنظومة، فاتحا المجال لمخطط استعجالي عرفنا مبتدأه ولا زال الرأي العام ينتظر خبر صرف أمواله المقدرة بالمليارات.
كل ما علمناه هو أن الحكومة الحالية أوقفت مشاريعه وأن وزيرها السابق في التعليم لم يكن يترك فرصة إلا واستنكر بسخرية، وأحيانا بكثير من «التمشخير» والعنف اللفظي، مشاريع كانت توصف قبله بأنها ضخمة.
ومن ذلك توقيف مشروع تشجيع التميز بالثانوي الذي خلطه الوزير الوفا مع التمييز، دون أن يكلف نفسه عناء قراءة وثيقة الميثاق، ليرى أن الدعامة الحادية عشرة تنص على تشجيع التفوق متجنيا على جيل من التلاميذ دون أن يكون لهم ذنب سوى الكد والجد اللذين ميزاهم. كما نذكر من المشاريع ما عرف بالمقاربة البيداغوجية «الإدجاج»، من الدجاج وليس الإدماج.
وعلاقة بهذا الموضوع، فالسيد مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية سبق أن عبر عن رفضه لهذه المقاربة في لقاء بمراكش سنة 2008، وما أن مرت سنة واحدة حتى أصبح يتجول في الأكاديميات مع مسيو «بوشعكاكة»، كما سماه الوفا، مبشرا بفتح اسمه «بيداغوجية الإدجاج»، وهي التسمية  التي نالتها عن جدارة  في حفلات التكوين في الإدماج بالدجاج.
والآن، وبعد مرور ثلاث سنوات من عمر الحكومة قضتها في رفع شعارات المحاسبة، فالوضع يتجدد بنفس المنهجية المتسمة بتعدد المتدخلين والمؤسسات في غياب للتنسيق والتكامل. والسنة الماضية فتحت مشاورتين متوازيتين من طرف المجلس الأعلى للتعليم ومن طرف الوزارة، هذه السنة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يتحدث عن تقرير استراتيجي، والوزارة تقول إنها في تدبيرها اليومي تشتغل برؤية استراتيجية للقطاع ممتدة في الزمن إلى 2030.
أي المؤسستين سنهتدي بكلامها؟
أمام هذا الوضع الغارق في الارتجال والتخبط والمفتوح على احتمال إعادة إنتاج خيبة أخرى في تعليمنا بكل مستوياته، تطفو ملاحظتان أساسيتان إلى الواجهة:
الملاحظة الأولى تتعلق بغياب الانسجام والعمق في مقاربة الحكومة لقضية التعليم. فإذا كان عدم تحمل  الحزب الأغلبي مسؤولية تسيير القطاع  يؤشر على تنصله من الوعود الانتخابية ونأي بالنفس عن قطاع يعرف العديد من التحديات، فإنه يمكن القول إن حزب العدالة والتنمية آثر مصلحته الانتخابية، وإلا كان عليه أن يكون أول من يوحد الجهود في إرساء تصور أوحد.
وفي هذا الأمر تأكيد للخلاصة الماثلة بقوة أمام المجتمع، وهي عجز الحكومة بحزبها الأغلبي عن تدبير النقاش العمومي في القضايا المجتمعية. ولكي لا نُتهم بالتحامل ككل مرة، فماذا يعني تجميد الحوار في القانون المنظم للتعليم العالي من طرف وزارة الداودي وإلقاؤه في مجلس عزيمان المنكب على إعداد تقرير استراتيجي يهم كل الجوانب ذات الصلة بتعليمنا العمومي والخصوصي؟
ماذا تعني إحالة ملفات اجتماعية كالتقاعد والتعاضد إلى مجلس بركة؟
الجواب واضح، الحكومة تتعامل بانتقائية يغذيها الهاجس الانتخابي مع قضايا المجتمع، فهي تعرف أن التعليم مكلف انتخابيا، وإلا لماذا لم يطلب بنكيران رأيا استشاريا من المؤسسات الدستورية في مسألة المقايسة التي تهم النسيج الاجتماعي والاقتصادي على السواء؟
أما الملاحظة الثانية، والتي لم يتطرق إليها أحد من قبل، وهي امتداد لما تطرقنا إليه في وقت سابق، عن كون الوزارة الآن تعلق الأستاذ لأن الصومعة «طاحت»، ولم يتساءل أحد لماذا نفس المسؤولين والذين كانوا في زمن تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين هم أنفسهم الموجودون في مرحلة البرنامج الاستعجالي، وهاهم اليوم يتصارعون ليكونوا أيضا في المرحلة المقبلة. فهل كلهم فعلا صالحون وأن الأساتذة وحدهم من يفشل التعليم دوما؟
فمع كل إعلان عن فشل برنامج للإصلاح لا تجد الوزارة ومسؤولوها المركزيون إلا الحكم على أن تطبيقه عرف ممانعة وسوء تنفيذ في الأكاديميات والنيابات وداخل حجرات الدرس. فإذا كانت مسؤولية هذه المصالح الخارجية ثابتة، فهل أداء المصالح المركزية وقراراتها لا يرقى إليه الشك؟
بل هل هيكلة وزارة التربية الوطنية، التي تعود إلى سنة 2002، والتي هي بحجم هيكلة حكومة وليس قطاع، تسهل تصريف البرامج أم أنها تعرقلها وتمدد آجال إنجازها بالنظر إلى عدد المديريات والأقسام والمصالح والمكاتب المركزية التي إن فكر أحد في تعدادها فسيصاب حتما بالدوار، وإن هو حاول البحث عن اختصاصات كل بنية لأصيب بالجنون. ثم هل هذه الهيكلة تصلح لكل زمان ولكل برنامج حكومي في القطاع؟ هل يعقل أن تكون للوزارة الواحدة مركزيا ما يزيد بكثير عن مائة مصلحة مترامية في كل أزقة الرباط؟
هل من اللازم الاحتفاظ بالعدد المبالغ فيه من المديريات والأقسام والمصالح، مع وجود مجالات التداخل والتقاطع الكثيرة في اختصاصات المصالح المركزية؟ ألم يبرهن البرنامج الاستعجالي عن استحالة تنفيذ مشاريعه بالهيكلة القائمة، وتم وقتها اعتماد هيكلة سميت آنذاك وظيفية، فأصبحت التربية الوطنية تسير بفريقين مركزيين متطاحنين، على الاختصاصات والتعويضات بالطبع، الأول يستمد شرعيته من الهيكلة الإدارية المنصوص عليها بمرسوم، والثاني يستمد قوته من الحماية المباشرة للسيدة الوزيرة، لدرجة أن الأمر وصل إلى المستوى الذي إذا حضر مسؤول مركزي إلى أكاديمية يتم التعامل معه بشكل عادي. إذن لماذا لا يطرح الوزراء المتعاقبون على التعليم أمر الهيكلة الإدارية لوزارتهم في جدول عملهم؟
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-